الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

خواطر الشيطان توقع في المعيشة الضنك

السؤال

قصتي طويلة لا أعرف كيف أبدأها ولكني أردت البوح بها قبل أن تؤدي إلى هلاكي: أنا شاب نشأت في أسرة ملتزمة وقد تربيت منذ طفولتي على الصلاة في المسجد وقراءة القرآن، منذ أن بلغت وأنا لا أستطيع مقاومة شهوتي فكنت أخرج المني بشكل كبير، كنت أفعل ذلك بشكل كبير يصل إلى أربع مرات أحيانا، ولا أخفيكم أني كنت أنظر إلى أولاد خالتي بشكل شهواني عند جلوسنا معا على الطعام، كنت دائما أشعر بالذنب والألم على ما فعلت، فكنت ألجأ إلى قراءة القرآن بعد كل فعل من هذا النوع، وكثيرا ما كنت ألجأ للصدقة حتى أني أدمنت الأمر فكنت أستدين المال لأتصدق، وكنت أعمل طوال الأسبوع في البناء لأتصدق بما عملت به كنت أشعر بعد الصدقة بنشوة كبيرة وخاصة عند ما أذكر قول الله تعالى: من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة، دخلت الجامعة وكنت أبني حياتي منذ الباكلوريا على الآية: يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم. وقد عاهدت الله تعالى على نصر الدين وبيع نفسي ومالي بأن لي الجنة، طرأ على حياتي تغير عظيم وهو أني تعرفت على عالم الانترنت بعد أن دخلت الجامعة، بدأت وكانت نيتي نشر الدين والجهاد عبر الانترنت واختراق مواقع الكفار، لم ألبث طويلا على ذلك حتى انحدرت في مستنقعات المواقع الجنسية وبدأت أدمن الجنس شيئا فشيئا، بدأت أنظر لجسد المرأة بقرف ولكني بعدها أدمنت أن أرى العملية الجنسية حتى كنت أقضي معظم وقتي وأصرف معظم مالي على الانترنت، كنت أقضي ما متوسطه خمس ساعات على الأفلام الجنسية يوميا، ولكني في نفس الوقت كنت أندم وأحذف المقاطع في نفس اليوم وكنت ملتزما بصلاتي حتى كان أني كنت مختلفا عن أغلب أصدقائي الذين في الجامعة، فكانوا يسمعون الأغاني ويكلمون البنات ويقبلونهم ولم أكن أفعل ذلك لأني كنت متدينا، وقد أضعت الكثير من الفرص رغم أن البنات كن يأتينني لأكلمهن ولكني لم أكن متربيا إلا على الثقافة الدينية التي تقضي بعدم الكلام مع البنات إلا للزواج، تخرجت من الجامعة وشعرت بأني بحاجة شديدة للزواج فأقدمت على طلب بنت وفعلا وافق أهلها وأحبوني كثيرا وعرضوا علي أن أبني بيتا في أرضهم وأنهم سوف يساعدونني في كل شيء، وسيعطونني المال ولكني كنت شكاكا جدا، كنت أعتقد بأن البنت كافرة أو منافقة لأنها لا تصلي الصبح كما أنا أفعل، كما أن لديهم أراضي من قانون الإصلاح الزراعي وقد أفتى مشايخ بلدي أن أرض الإصلاح الزراعي مغصوبة وهي حرام، بالإضافة إلى أن البنت لم تكن جميلة بما فيه الكفاية مقارنة ببنات الانترنت، فكرت طويلا وطويلا وسافرت إلى مشايخ لأسألهم ولكني لم أصل إلى نتيجة، تركت خطيبتي بعد حوالي شهر من خطبتي، بعد أن تركتها اسودت الدنيا بوجهي في الأيام الأولى لم أستطع النوم إلا ساعات قليلة، كنت أقضي معظم وقتي في المشي والتفكير في البنت التي كتبت اسمي واسمها بالورود، والتي ترجتني أن لا أتركها لأني الهواء الذي يبقيها على قيد الحياة، كنت أذهب في منتصف الليل إلى أمام منزلها وأشعر أنها تناديني، مضت حوالي سنتين على الحالة فقررت أن أخطب غيرها وخاصة أني أصبحت موظفا ذا دخل، ولكني لم أستطع أن أجد الفتاة المناسبة حيث أشعر دائما أن المجتمع لا يطبق الدين، فالفتاة الأولى كانت جميلة للغاية ومتعلمة ولكنها درست الموسيقى في الجامعة مع أنها كانت تحفظ القرآن ولكن دراستها للموسيقى أدى إلى ترددي وخاصة أنها ستتوظف وتصبح آنسة موسيقى وتكسب من الموسيقى، وكل مال مبني على حرام فهو حرام. خسرت هذه البنت وندمت عليها، ثم طلبت من والدتي أن تبحث لي عن عروس وإلا سأزني أو أجن وما كان من والدتي المسكينة إلا أن طرقت الأبواب لتبحث عن من يقبل بهذا البائس، وجدت لي عروسا أخرى ولكني كنت متزمتا مع والدها في الكلام بسبب المهر فطردني ولم يقبل بي، بدأت أيأس وتضيق الدنيا بوجهي وأشعر أن الدين طوق يقيد رقبتي وخاصة أني تناقشت كثيرا مع مشايخ في مسائل القضاء والقدر، ومسألة خروج المني من الصلب أم من الخصيتين، كنت أشك دائما في بعض الأمور، تتالت الأيام حتى مررت يوما بمجموعة من الأجنبيات وكنا وقتها في رمضان وكن يلبسن ثيابا يظهر نصف صدورهن فلم أحتمل نفسي وقلت أني أريد الدنيا أريد النساء مهما كان نظرت إليهن عمدا حتى استمنيت، وفعلت ذلك ثلاث مرات في نفس اليوم، منذ ذلك اليوم وأموري الدينية في تدهور أشعر أني خسرت الدين وعصيت الله عمدا وأني اخترت الدنيا وأني سأدخل النار حتى أني لا أنام في الليل وأبكي كثيرا وأصرخ أحيانا، في بعض الأحيان وصل بي الحال أن أشعر بالسخط لأني تركت لله أشياء لم يعوضني عنها كخطيبتي وأراضيها وحبها، أشعر أني خسرت كل شيء وأني متدين غبي وأن الدين لا ينفع لبناء مجتمع متحضر وأن الفاشلين هم المتدينون وأن الدين بعيد عن العلم والواقع، أشعر أني كافر وساخط على الله ولكني أخاف من الموت والنار سامحوني لكني والله أتعذب.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فما حدث منك من منكرات هو نتيجة لكيد الشيطان ومكره وتزيينه ووسوسته واسترسالك معه في خطواته ومكائده، فهو عدو الإنسان، ولذا حذر الله تعالى منه فقال: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ {فاطر: 6}.

فالواجب عليك أن تتوب إلى الله تعالى توبة نصوحا، وراجع في شروط التوبة الفتوى رقم: 5450.

وينبغي أن تحمد الله عز وجل أن أبقاك حيا ولم يقبض روحك وأنت قائم في ما يسخطه، واعلم أن رحمة الله واسعة فلا يعظم عليها ذنب، وأن من تاب تاب الله عليه. فأحسن الظن بالله، وأقبل إليه بصدق وإخلاص فإنه يقبلك، وكن على حذر من أن يوقعك الشيطان في القنوط من رحمة الله. وراجع الفتوى رقم: 20894 والفتوى رقم: 29427.

والإيمان بالقضاء والقدر هو برد اليقين على القلب الحزين، قال تعالى: مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ* لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ {الحديد:23،22 }.

فلا تحزن على ما فاتك من زواجك من الفتاة التي أحببت، فقد يكون في صرف الله لك عنها خير، قال سبحانه: وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ({البقرة: }

وعليك بمواصلة البحث عن فتاة صالحة ذات دين، واحرص على العفاف والصوم وكل ما يبعد عن إثارة الشهوة، ومن ذلك غض البصر عن النظر إلى النساء. وانظر الفتوى رقم: 135030.

وما ذكرت من امتنانك على الله بأنك تركت له أشياء ولم يعوضك عنها، وأن الدين لا ينفع لبناء مجتمع متحضر...الخ من هذا الكلام الذي ألقاه الشيطان في نفسك وليس له عليه أدنى برهان. بل الدين الصحيح دين الإسلام هو أساس الحضارة، والمتدينون من المسلمين الذي لزموا منهج الوسطية والاعتدال هم سادة الدنيا وقادة الناس في كل المجالات العلمية والعملية. وهذه الخواطر الشيطانية إن كانت مجرد خواطر تأتي على قلبك وتقوم بمدافعتها فإنها لا تضرك، ولكن لا يجوز لك أن تجعلها تستقر في قلبك وتطمئن بها نفسك لئلا تؤدي بك إلى الكفر، وراجع الفتوى رقم: 28751.

وننبهك في ختام هذا الجواب إلى بعض الأمور التي وردت في سؤالك:

الأمر الأول: أنه يجب عليك التوبة مما وقع منك من النظر إلى النساء في نهار رمضان وإفساد الصوم بالاستمناء، ويجب عليك قضاء ذلك اليوم الذي أفسدته. وراجع الفتوى رقم: 53163.

الأمر الثاني: أن تكفير الشخص المعين أمر خطير وله ضوابطه وشروطه التي تجب مراعاتها وهي مبينة بالفتوى رقم: 721.

فاحذر من اتهام الناس بالكفر والنفاق، أو النظر إلى مجتمعات المسلمين بنظرة اليأس والإحباط، ففي الحديث: ومن قال هلك الناس فهو أهلكهم. رواه مسلم

وخير من هذا أن تسعى مع الدعاة في الإصلاح والنصيحة.

الأمر الثالث: أنه لا ينبغي للمسلم أن يستدين ليتصدق.

قال الشيخ ابن عثيمين في تفسيره: فإن قال قائل: هل يجوز أن يتدين الإنسان ليتصدق؟

فالجواب: لا. لأن الصدقة تطوع، والتزام الدّين خطر عظيم، لأن الدين ليس بالأمر الهين، فالإنسان إذا مات وعليه دين فإن نفسه معلقة بدينه حتى يقضى عنه، وكثير من الورثة لا يهتم بدين الميت، تجده يتأخر يماطل وربما لا يوفيه. وقد كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا قدمت إليه جنازة سأل هل عليه دين له وفاء؟ فإن قالوا لا، قال: «صلوا على صاحبكم». وأخبر صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن الشهادة في سبيل الله تكفر كل شيء إلا الدين، فالدين أمره عظيم، لا يجوز للإنسان أن يتهاون به...اهـ.

الأمر الرابع: أن من أهم ما يعينك على تجاوز محنتك هذه القناعة والرضى ودع عنك الشروط المثالية في المرأة التي تريدها زوجة لك، فإذا وجدت من تؤدي الفرائض وتجتنب المحرمات وبها قدر لا بأس به من الجمال يحصل به المقصود ففيها خير وبركة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني