الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

توضيح حول حديث (لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة..)

السؤال

سؤالي عن الأحاديث التي ظاهرها التعارض: كحديثين وردا عن المتكلمين في المهد، ففي حديث قال عليه الصلاة والسلام: لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي الْمَهْدِ إِلَّا ثَلَاثَةٌ ـ الحديث.
وفي آخر قال صلى الله عليه وسلم: لم يتكلم في المهد إلا أربعة ـ الحديث.
وقرأت الفتوى رقم: 21340.
وسؤالي هو: كيف أتعامل مع مثل هذه الأحاديث وأنا لا علم لي بعلم الحديث؟ أعرف أن النسخ لا يكون في الأخبار، وإنما في الأحكام وأنا أومن أن لا تعارض ولا تناقض في أقوال النبي عليه الصلاة والسلام، لكن كيف أفهم ذلك لمن يسألني؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

ففي حديث الصحيحين: لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة: عيسى ـ وكان في بني إسرائيل رجل يقال له جريج فذكر قصته وفيها: ثم أتى الغلام فقال: من أبوك يا غلام؟ فقال: الراعي، ثم قال: وكانت امرأة ترضع ابنا لها من بني إسرائيل فمر بها رجل راكب ذو شارة، فقالت: اللهم اجعل ابني مثله، فترك ثديها فأقبل على الراكب، فقال: اللهم لا تجعلني مثله. الحديث.

وفي صحيح مسلم من حديث صهيب في قصة أصحاب الأخدود: جاءت امرأة ومعها صبي لها فتقاعست أن تقع فيها فقال لها الغلام يا أمه اصبري فإنك على الحق.

وقد وفق بين حديث الصحيحين في الثلاثة وبين غيره مما يفيد الزيادة بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما قاله في حديث الصحيحين قبل العلم بالزيادة، قال الشربيني في تفسير السراج المنير: وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال: لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة: عيسى بن مريم وصاحب جريج وصبيّ كان يرضع أمّه فمرّ راكب حسن الهيئة فقالت أمّه: اللهم اجعل ابني مثل هذا فقال الصبي: اللهم لا تجعلني مثله ـ وبهذا الاعتبار صاروا خمسة وزاد الثعلبي سادساً وهو يحيى بن زكريا عليهما السلام، وزاد غيره على ذلك ولعل الحصر فيما ذكر في الحديث كان قبل العلم بالزيادة فلا تناقض. هـ.

وقال العيني في عمدة القاري شرح صحيح البخاري: الذي يقال فيه أنه ذكر الثلاثة قبل أن يعلم بالزائد عليها فكان المعنى لم يتكلم إلا ثلاثة على ما أوحي إليه، وإلا فقد تكلم من الأطفال سبعة منهم شاهد يوسف رواه أحمد والبزار والحاكم وابن حبان من حديث ابن عباس: لم يتكلم في المهد إلا أربعة فذكر منها شاهد يوسف، ومنهم الصبي الرضيع الذي قال لأمه وهي ماشطة بنت فرعون لما أراد فرعون إلقاء أمه في النار اصبري يا أماه فإنك على الحق ـ أخرج الحاكم نحوه من حديث أبي هريرة، ومنهم الصبي الرضيع في قصة أصحاب الأخدود أن امرأة جيء بها لتلقى في النار فتقاعست فقال لها يا أماه اصبري فإنك على الحق، ومنهم يحيى أخرج الثعلبي في تفسيره عن الضحاك أن يحيى تكلم في المهد. اهـ.

وفي فتح الباري لابن حجر قوله: لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة ـ قال القرطبي: في هذا الحصر نظر إلا أن يحمل على أنه صلى الله عليه و سلم قال ذلك قبل أن يعلم الزيادة على ذلك وفيه بعد، ويحتمل أن يكون كلام الثلاثة المذكورين مقيدا بالمهد وكلام غيرهم من الأطفال بغير مهد، لكنه يعكر عليه أن في رواية بن قتيبة أن الصبي الذي طرحته أمه في الأخدود كان بن سبعة أشهر وصرح بالمهد في حديث أبي هريرة وفيه تعقب على النووي في قوله إن صاحب الأخدود لم يكن في المهد والسبب في قوله هذا ما وقع في حديث ابن عباس عند أحمد والبزار وابن حبان والحاكم لم يتكلم في المهد إلا أربعة فلم يذكر الثالث الذي هنا وذكر شاهد يوسف والصبي الرضيع الذي قال لأمه وهي ماشطة بنت فرعون لما أراد فرعون إلقاء أمه في النار اصبري يا أمه فإنك على الحق.

وأخرج الحاكم نحوه من حديث أبي هريرة فيجتمع من هذا خمسة ووقع ذكر شاهد يوسف أيضا في حديث عمران بن حصين، لكنه موقوف، وروى بن أبي شيبة من مرسل هلال بن يساف مثل حديث ابن عباس إلا أنه لم يذكر ابن الماشطة، وفي صحيح مسلم من حديث صهيب في قصة أصحاب الأخدود: أن امرأة جىء بها لتلقى في النار، أو لتكفر ومعها صبي يرضع فتقاعست فقال لها يا أمه اصبري فإنك على الحق ـ وزعم الضحاك في تفسيره أن يحيى تكلم في المهد أخرجه الثعلبي ـ فإن ثبت صاروا سبعة، وذكر البغوي في تفسيره أن إبراهيم الخليل تكلم في المهد، وفي سير الواقدي أن النبي صلى الله عليه وسلم تكلم أوائل ما ولد وقد تكلم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم مبارك اليمامة وقصته في دلائل النبوة للبيهقي من حديث معرض بالضاد المعجمة. والله أعلم.

هذا وننبه إلى أن ما ذكر من الزيادة على حديث الصحيحين سوى حديث الأخدود ضعفه الشيخ الألباني فقال في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيء في الأمة: لم أجد في حديث صحيح ما ينافي هذا الحصر الوارد في حديث الصحيحين إلا ما في قصة غلام الأخدود ففيها أنه قال لأمه: يا أمه اصبري فإنك على الحق. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني