الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

يحرم على العامي مطالعة الكتب السماوية السابقة

السؤال

هل يجوز للمسلم العامي الاطلاع على الإنجيل الموجود بأيدي أهل الكتاب؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فما في أيدي أهل الكتاب اليوم من التوراة والإنجيل قد دخله التحريف بالزيادة والنقصان، والتبديل والتغيير في مواضع كثيرة منه، يقطع المسلم بأنها ليست من كلام الله تعالى كتقرير التثليث، وتحريف البشارات الواردة في حق نبينا صلى الله عليه وسلم، وما اشتمل عليه العهد القديم من الطعن في ذات الله تعالى، والتنقص لأنبيائه صلوات الله وسلامه عليهم.
وقد شهد الله تعالى على أهل الكتاب بهذا التحريف والتغيير فقال: (أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون) [البقرة:75] وقال: (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون)[البقرة:79] وقال: (فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظاً مما ذكروا به ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا منهم)[المائدة:13]
وقال: (من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه)[النساء:46]
وما سلم من التحريف فلا حاجة للمسلم للنظر فيه، لكون القرآن أتى ناسخاً ومهيمناً على ما سبق من الكتب، كما قال الله تعالى: (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه)[المائدة:48] ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنه: (كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء وكتابكم الذي أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدث، تقرؤونه محضاً لم يُشب، وقد حدثكم أن أهل الكتاب بدلوا كتاب الله وغيروه، وكتبوا بأيديهم الكتاب، وقالوا هو من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً. ألا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم، لا والله ما رأينا منهم رجلاً يسألكم عن الذي أنزل عليكم) رواه البخاري برقم: 7362 وقوله: "محضاً لم يُشب" أي لم يخالطه غيره.
وروى أحمد والبزار واللفظ له من حديث جابر قال: نسخ عمر كتاباً من التوراة بالعربية فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يقرأ ووجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتغير، فقال له رجل من الأنصار: ويحك يا ابن الخطاب ألا ترى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا، وإنكم إما أن تكذبوا بحق أو تصدقوا بباطل، والله لو كان موسى بين أظهركم ما حل له إلا أن يتبعني" قال الحافظ ابن حجر في الفتح: (وفي سنده جابر الجعفي وهو ضعيف، وذكر طرق الحديث ثم قال: ( وهذه جميع طرق هذا الحديث، وهي وإن لم يكن فيها ما يحتج به، لكن مجموعها يقتضي أن لها أصلاً)(الفتح:13 /525).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ( وعمر انتفع بهذا حتى إنه لما فتحت الإسكندرية وجد فيها كتب كثيرة من كتب الروم فكتبوا فيها إلى عمر فأمر بها أن تحرق، وقال: حسبنا كتاب الله) مجموع الفتاوى 17/ 41
وقد روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة: بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا: (آمنا بالله وما أنزل إلينا) [الآية].
والمسلم العامي إذا قرأ التوراة أو الإنجيل لم يؤمن عليه أن يصدق بما هو باطل، أو أن يكذب بما هو حق.
ولهذا صرح جماعة من أهل العلم بتحريم النظر في كتب أهل الكتاب.
قال الإمام ابن مفلح في الآداب الشرعية: 2 /97 (سئل الإمام أحمد رضي الله عنه عن هذه المسألة في رواية إسحاق بن إبراهيم فغضب فقال: هذه مسألة مسلم؟ وغضب. وظاهره الإنكار، وذكره القاضي ثم احتج بأنه عليه الصلاة والسلام لما رأى في يد عمر قطعة من التوراة غضب وقال: "ألم آت بها بيضاء نقية؟" الحديث. وهو مشهور رواه أحمد وغيره. وهو من رواية مجالد وجابر الجعفي وهما ضعيفان، ولأنها كتب مبدلة مغيرة فلم تجز قراءتها والعمل عليها).
وقال البهوتي في كشاف القناع 1 /434: (ولا يجوز النظر في كتب أهل الكتاب نصاً لأن النبي صلى الله عليه وسلم غضب حين رأى مع عمر صحيفة من التوراة، وقال: "أفي شك انته يا ابن الخطاب؟ " الحديث، ولا النظر في كتب أهل البدع، ولا النظر في الكتب المشتملة على الحق والباطل، ولا روايتها، لما في ذلك من ضرر إفساد العقائد) انتهى.
ونقل ابن عابدين في حاشيته عن عبد الغني النابلسي قوله: (نهينا عن النظر في شيء من التوراة والإنجيل، سواء نقلها إلينا الكفار أو من أسلم منهم)
وقد حكى الزركشي الإجماع على أن الاشتغال بنظرها وكتابتها لا يجوز. نقله الحافظ في الفتح، ولم يسلم دعوى الإجماع.
والحاصل أنه لا يجوز للمسلم القراءة في التوراة والإنجيل.
ولا يرخص في ذلك إلا لأهل العلم المتضلعين من الكتاب والسنة، لغرض الرد على أهل الكتاب ودفع شبهاتهم، قال في مطالب أولى النهى: 1 /607: ((ويتجه جواز نظر) في كتب أهل البدع لمن كان متضلعاً من الكتاب والسنة مع شدة تثبت، وصلابة دين، وجودة، وفطنة، وقوة ذكاء، واقتدار على استخراج الأدلة، (للرد عليهم) وكشف أسرارهم، وهتك أستارهم، لئلا يغتر أهل الجهالة بتمويهاتهم الفاسدة، فتختل عقائدهم الجامدة، وقد فعله أئمة من فقهاء المسلمين وألزموا أهلها بما لم يفصحوا عنه جواباً، وكذلك نظروا في التوراة واستخرجوا منها ذكر نبينا في محلات، وهو متجه) انتهى.
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ما نصه: ( الكتب السماوية السابقة وقع فيها كثير من التحريف والزيادة والنقص كما ذكر الله ذلك، فلا يجوز لمسلم أن يقدم على قراءتها والاطلاع عليها إلا إذا كان من الراسخين في العلم ويريد بيان ما ورد فيها من التحريفات والتضارب بينها) فتاوى اللجنة الدائمة3/ 311
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني