الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

آراء الفقهاء في أسباب تغليظ الدية

السؤال

ماحكم تغليظ الدية في القتل الخطإ؟ فقد قرأت واستفسرت في هذا الموضوع وقيل لي إن التغليظ في العمد وشبه العمد، لكنني وحسب فهمي المتواضع أعرف أنها مغلظة أصلا والدية مخففة في القتل الخطإ وقرأت أنها تغلظ في القتل الخطإ في 3 أو 4 حالات حسب المذاهب في مواضع عديدة، مثلا القصة التي في مصنف ابن أبي شيبة عن سيدنا عثمان ـ رضي الله عنه وأرضاه ـ الذي غلظ الدية للمرأة إلى دية وثلث وغيرها في روايات متعددة. أريد تفصيلا في ذلك حفظكم الله وسدد خطاكم. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلم نقف على دليل أو كلام لأهل العلم يبين ما أشرت إليه من أن الأصل في الدية التخفيف أو التغليظ، وهو مبحث لا طائل تحته، والظاهر من كلامهم أن الأصل عدم التغليظ، لأنهم لا يذكرون التغليظ إلا لسبب كذا، وأما التخفيف فلا يذكرون له سببا، فمجرد قتل الخطإ تكون فيه الدية، ولا تغلظ إلا إذا كان لتغليظها سبب مما سنذكره وما لا يحتاج إلى سبب أصل لما يحتاج إلى سبب، وارجع للفائدة الفتويين رقم: 114266، 59988.

والأسباب التي بها تغلظ ـ على اختلاف أهل العلم فيها ـ هي القتل عمداً، أو شبه عمد، أو في الحرم، أو الأشهر الحرم، أو لذي رحم، أو محرم، وقد اختلف أهل العلم ـ كما أشرنا ـ في هذه الأسباب، فمذهب الشافعية والحنابلة أنها تغلظ على القاتل إذا قتل في الحرم، أو قتل وهو محرم، أو في شهر حرام، أو قتل ذا رحم، ولعل هذه هي الحالات التي أشرت أن دية الخطإ تغلظ فيها.

وذهب الحنيفة إلى أنها لا تغلظ في شيء من ذلك، وذهب المالكية إلى أنها لا تغلظ إلا في القتل العمد إذا قبلها ولي الدم، وفي حالة قتل الوالد ولده.

جاء في الموسوعة الفقهية: اتَّفَقَ الأَْئِمَّةُ - الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ - عَلَى أَصْل تَغْلِيظِ الدِّيَةِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي أَسْبَابِ التَّغْلِيظِ، فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ أَسْبَابَ التَّغْلِيظِ هِيَ: أَنْ يَقَعَ الْقَتْل فِي حَرَمِ مَكَّةَ، أو أن يَقْتُل فِي الأَْشْهُرِ الْحُرُمِ ـ وَهِيَ: ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبٌ ـ أو أَنْ يَقْتُل قَرِيبًا لَهُ مَحْرَمًا، وَهَذَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، أو أَنْ يَكُونَ الْقَتْل عَمْدًا، أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ، أو أَنْ يَقْتُل فِي الإِْحْرَامِ، أَيْ أَنْ يَكُونَ الْمَقْتُول مُحْرِمًا، وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ يُغَلَّظُ فِي قَتْلٍ لَمْ يَجِبْ فِيهِ قِصَاصٌ، كَقَتْل الْوَالِدِ وَلَدَهُ، وَالْمُرَادُ الأَْبُ وَإِنْ عَلاَ، وَالأُْمُّ كَذَلِكَ. اهـ.

وتغليظ الدية يكون بالزيادة في عددها بأن تجعل دية وثلثا، أو في صفتها، أو بتعجيلها، أو بأن تجعل في مال القاتل.

وأما الأثر المشار إليه عن عثمان فهو: أن امرأة وطئت في الطواف فقضى عثمان فيها بستة آلاف وألفين تغليظا للحرم.

وفي رواية: أن رجلاً وطئ امرأة بمكة في ذي القعدة فقتلها, فقضى فيها عثمان ـ رضي الله عنه ـ بدية وثلث. صححه الألباني في إرواء الغليل.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني