الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

سير القلب إلى هم الآخرة

السؤال

من هذا الحديث ينطلق سؤالي "مَنْ كَانَتْ الْآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتْ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ وَلَمْ يَأْتِهِ مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ" رواه الترمذي ( 2389 ) وصححه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " ( 6510 ).
كيف نستطيع تطبيق هذا الحديث، فأنا عندما أردت ذلك أول ما فكرت به هو العمل للآخرة لأنال الدنيا فبدايتي أصلاً خطأ. فالذي يفهم الحديث يعلم أن الإنسان أصلاً لا يفكر بالدنيا لذلك الله جلا جلاله يتكفل له بالآخرةكيف نستطيع أن نصل لهذه المرحلة وهي عدم التفكير بالدنيا وأن يكون همنا فقط الآخرة، هل من نصائح، وأكون لكم شاكرة أرجو أنكم فهمتم سؤالي؟ ولكم جزيل الشكر.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فليس معنى الحديث أن يجعل المسلم الآخرة همه ونيته لينال بذلك الدنيا، وليس معناه أيضاً أن يترك التكسب وطلب الرزق الحلال، ويفرط في مصالحه الدنيوية التي لا بد منها، بل المعنى أنه ينبغي للإنسان المسلم أن تكون الآخرة أكبر همه، وأن لا يجعل طموحه في الدنيا هو شغله الشاغل، فإذا فعل ذلك فإن الله سبحانه وتعالى يكفيه هم الدنيا، ويرزقه القناعة بالكفاف والكفاية، ويجعل غناه في قلبه، ويجمع له أموره المتفرقة وتأتيه الدنيا -أي ما قسم له منها- وهي راغمة، لا يحتاج في طلبها إلى سعي كثير، بل تأتيه هينة لينة على رغم أنفها وأنف أربابها.

قال في تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي عند شرح هذا الحديث قوله: من كانت الآخرة بالرفع.. أي قصده ونيته. وفي المشكاة من كانت نيته طلب الآخرة جعل الله غناه في قلبه أي جعله قانعاً بالكفاف والكفاية كيلا يتعب في طلب الزيادة (وجمع له شمله) أي أموره المتفرقة بأن جعله مجموع الخاطر بتهيئة أسبابه من حيث لا يشعر به (أتته الدنيا) أي ما قدر وقسم له منها (وهي راغمة) أي ذليلة حقيرة تابعة له لا يحتاج في طلبها إلى سعي كثير بل تأتيه هيئة لينة على رغم أنفها وأنف أربابها (ومن كانت الدنيا همه) وفي المشكاة ومن كانت نيته طلب الدنيا (جعل الله فقره بين عينيه) أي جنس الاحتياج إلى الخلق كالأمر المحسوس منصوباً بين عينيه (وفرق عليه شمله) أي أموره المجتمعة قال الطيبي: يقال جمع الله شمله أي ما تشتت من أمره. وفرق الله شمله أي ما اجتمع من أمره فهو من الأضداد (ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له) أي وهو راغم فلا يأتيه ما يطلب من الزيادة على رغم أنفه وأنف أصحابه... انتهى.

ومن هذا الحديث وغيره مما في معناه يعلم المسلم خطورة الانهماك في الدنيا والانشغال بها على حساب آخرته، وأن ذلك لا يعطيه من الدنيا إلا ما قدر له، وأن اهتمامه وانشغاله بالآخرة من أقوى أسباب سعادتي الدارين معاً، فليتق الله تعالى وليثق بما عنده وليتوكل عليه مع الأخذ بالأسباب، فعن حذيفة رضي الله عنه قال: قام النبي صلى الله عليه وسلم فدعا الناس فقال: هلموا إلي، فأقبلوا إليه فجلسوا، فقال: هذا رسول رب العالمين جبريل عليه السلام نفث في روعي أنه لا تموت نفس حتى تستكمل رزقها وإن أبطأ عليها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تأخذوه بمعصية الله، فإن الله لا ينال ما عنده إلا بطاعته. رواه البزار وقال الألباني حسن صحيح. وللفائدة راجعي الفتوى رقم: 147499، والفتوى رقم: 129079.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني