الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم مقولة (جعلها الله خاتمة الأحزان)

السؤال

شيخي الفاضل : هل عبارة "جعلها الله خاتمة الأحزان" التي يقولها البعض عند التعزية، عبارة صحيحة أم خاطئة، وإذا كانت خاطئة فما هو الخطأ فيها؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلعل من يقول هذا القول يريد به الدعاء لأهل الميت بسلامة من بقي منهم، كما سبق في الفتوى رقم: 54097.

وهذا يوازي سؤال العافية، وهو أمر حسن مطلوب شرعا، فإن العافية معناها السلامة في الدين من الفتن، وفي البدن من الأسقام، وفي الأهل والمال من جميع الابتلاءات، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 52802.

وهذا بالطبع لا يعني أن يخرج المرء عن لوازم الدنيا من الكدر والنغص، أو أن ينجو من عوارض البشرية كالتعب والمرض والموت ... ولكنه أمر نسبي، فما من إنسان إلا وهو في عافية في شأن من شئونه إذا ما قورن فيه بغيره، كما أن وقوع البلاء أمر نسبي من حيث الشدة والبقاء، ومن حيث الأثر.

والمقصود أن سؤال العافية لا يعني الخروج عن أحكام الدنيا المبنية على الكدر، ولذلك لا يصح أن يقال: إن هذا الدعاء طلب لأمر مستحيل ! ومما يدل على ذلك: استعاذة النبي صلى الله عليه وسلم من زوال النعمة وتحول العافية، مع كون الأنبياء أشد الناس بلاءً.

فعن عبد الله بن عمر قال: كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك. رواه مسلم.

قال المناوي في (فيض القدير): (وتحول عافيتك) أي تبدلها .. فكأنه سأل دوام العافية وهي السلامة من الآلام والأسقام. اهـ.

وقد سبق لنا بيان أن الدعاء بالعافية لا يتنافى مع الصبر ولا مع الرضا بالقدر، فراجع الفتويين: 63580، 146947.

والدعاء بجعل هذه الوفاة المعزَّى فيها آخرَ الأحزان هو من هذا الباب، فلا يصح أن يقال إنه لا يمكن تحققه، كما لا يصح أن يقال إن سؤال العافية ودوامها يتعارض مع ضرورة تحقق الابتلاء الذي خلق من أجله الإنسان؛ لأن الأمر كما أسلفنا أمر نسبي. وقد استعاذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحزن.

فعن أنس بن مالك قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن. رواه البخاري.

فلا حرج أن يُعيذ المرءُ أخاه المسلم من الحزن، وهذا سيؤول من حيث المعنى إلى سؤال العافية له من الحزن.

وأخيرا ننبه على أن كل ما يذكر من عبارات العزاء مما لم يشتمل على محذور شرعي، فإنه تجوز التعزية به، والأفضل ـ بلا ريب ـ التعزية بالألفاظ النبوية المأثورة، وقد سبق لنا بيان ذلك في الفتويين: 22195 ، 20003.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني