الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يجب دفع المال للأب وهل يعطيه ولو شك أنه سينفقه في الحرام

السؤال

والدي حول حياتنا إلى جحيم ، حيث قام بضرب الوالدة على رأسها مما أدى إلى إصابتها بنوبات صرع تستمر لأكثر من نصف ساعة ، ورفض علاجها نظراً لخوفه من كشف أمره عندما يجد الأطباء آثار الكدمات على وجهها ، مما دفعنا أنا وإخواني إلى الوقوف ضده ومطالبته بتطليق أمي حيث إن حياتنا باتت جحيماً، وحالة أمي كانت تسوء كل يوم أكثر من ذي قبل، ولا ندري متى سنستيقظ ذات يوم لنجدها قد فارقت الحياة، كما أنه كان يقذفها بشكل دائم ويسبها بشرفها بشكل يومي، ويضربها بدون سبب مما جعلنا نرى البيت عبارة عن سجن ، كل يوم نستيقظ وننام على بكاء أخواتي البنات عندما يرين أبي يضرب أمي أمامهم ، وبعد الطلاق، أراد أبي أن ينتقم منا لوقوفنا ضده ، فقام بتشتيت البيت، وباع بيتنا بخمسمائة و خمسين ألف ريال سعودي ، وصرفه خلال عام ونصف تقريباً فيما حرم الله من نساء و خمر ، علماً أن عمره تجاوز الخمسين عاماً ، ومنع عني المال مما اضطرني إلى ترك كلية الطب والبحث عن عمل حتى أعيل أخي الصغير الذي يدرس المرحلة المتوسطة كي يكمل دراسته وأعيل أمي التي تحتاج إلى العلاج أيضاَ من الصرع إلى جانب مصروفها ومصروف أخي الأصغر ، وبعد بيع البيت تجاهلنا أبي إلى درجة أنه كان يغير أرقام جواله بشكل مستمر حتى لا نتمكن من التواصل معه أو طلب أي مبلغ من المال منه، وتجاهل حتى أخي الصغير الذي يريد أن يكمل تعليمه ومنع عنه المصروف بدون سبب، علماً أن أخي الصغير لم يقف ضده ولم يفعل له شيئاً ولم يتدخل في موضوع الطلاق ، وكما هو معروف يا فضيلة الشيخ ، فإن الخمر والنساء تسحب المال وتحرقه كما تحرق النار الحطب ، فصرف والدي كل قيمة البيت على النساء والخمر خلال عام ونصف فقط ، علماً بأنه لم يسدد دينا ولم يبن أو يشتر له بيتا يسكن فيه، بل كان مستأجراً لبيت طوال تلك الفترة في منطقة بعيدة غير مأهولة بالسكان حتى يأخذ حريته وراحته عند دعوة النساء إلى بيته ، كما أنه لم ينشئ له مصدر دخل يعيش منه ، حدث هذا يا شيخ قبل عامين ، والآن بفضل الله وضعي المادي تحسن ، ولكن إخواني وأخواتي متفرقون على ثلاثة بيوت وهي بيوت أهلنا ، فأمي في بيت والدها ، وأخي مستأجر بيتا آخر لأن أهل أمي لديهم بنات شابات في بيتهم، فلا يمكن أن يمكث أخي معهم في نفس البيت، وأخواتي في بيوت أزواجهن ، مع العلم أنهن يتحملن المذلة أكثر من مرة لعدم توفر بيت لديهن يلجأن إليه عند حدوث مشكلة بينهن وبين أزواجهن ، وأنا في المملكة العربية السعودية للعمل ، وإخواني وأمي ينتظرون مني شراء بيت يجمع شملهم تحت سقف واحد بالإضافة إلى حاجتي لتأمين مصروفي ومصروف أمي وعلاجها ومصروف أخي الصغير ودراسته ، أما أبي الذي صرف كل ما لديه على النساء والخمر فيقول الآن إنه لم يعد لديه مال (بغض النظر عن كوني لا أصدق هذا) وقد بدأ يطالبني بمصروف ويدعو علي ويسبني بأقبح الشتائم، وأكثر من مرة يتبرأ مني أمام الناس ويشتم ويقذف، ثم يعود ويتصل و يطلب مني المال ، وردي عليه دائماً كالتالي: (أنا لدي التزامات ومسؤوليات كثيرة أما أنت فقد أضعت مالك بنفسك وفضلت النساء والعلاقات المحرمة والخمر على أولادك فاحصد ما زرعته يدك).بعد أن مل أبي من انتظار المال مني قام بمطالبة أخيه ببيع أراضي جدي (والد أبي) كي يأخذ أبي نصيبه من الميراث ، وبالفعل تم البيع ، فأخذ أبي نصيبه مبلغ خمسة عشر ألف ريال سعودي وصرفه مرة أخرى على النساء والخمر والعلاقات المحرمة والقات خلال شهرين فقط !!!!!! وعاد الآن مرة أخرى ليطالبني بمصروف !!!!!!شيخي الفاضل ، أرجو منك التكرم بتوضيح حكم الشرع في علاقتي بوالدي وهل يستحق النفقة أم لا ، علماً أن والدي يطلب مني المال أساساً لصرفه على السيجارة والقات، وعلماً أني أخشى أن يستخدم هذا المال للنساء اللاتي تعرف عليهن بالحرام أو للخمر ، وعلماً أن أبي لا يصلي ولم يأمرنا للصلاة، بل حاربني عليها ونهاني في إحدى المرات من الذهاب إلى المسجد ، وعلماً يا شيخ أن أبي قد سب الله في إحدى المرات ، ولم يسب الله في حالة غضب بل كان في وضع عادي جداً وقال الكلمة ببرود وهو يقصد بها الله بحد ذاته، وهذا السب كبير جداً لا أستطيع ذكره يا شيخ.أرجو منك التكرم بالرد المفصل يا شيخ ، فدعاء أبي علي يؤرقني لعلمي أن الله يجيب دعوة الوالدين، أخشى فقط من غضب الله علي ، و والله يا شيخ أني في كل مرة أذكر أبي أخشى أن ينتهي بي الحال إلى جهنم بسببه وأقول في نفسي: هل الله راض عن تعاملي مع أبي الآن أم لا؟ فلجأت إلى الله ثم إليكم يا شيخ للنظر في حالتي و النظر في كل النقاط والتفاصيل الصغيرة فيها وتفصيل الأمر لي و توضيحه حتى لا أقع في ما يغضب الله.أسأل الله أن يوفقكم ويحفظكم و ينفع بكم الإسلام والمسلمين.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فنشكرك على ثقتك بنا، ونسأل الله تعالى أن يجعلنا عند حسن ظنك بنا، وأن يوفقنا وإياك إلى ما يحب ويرضى.

وإن صح ما ذكرت عن والدك فإنه قد أتى جملة من المنكرات ومنها:

أولا: ضربه لأمكم وإيذاؤها لها، وهذا من الظلم البين والاعتداء الفاضح الذي يستوجب الجزاء من قبل المحكمة الشرعية، وراجع في ضرب الزوجة الفتوى رقم: 69.

ثانيا: قذفه لأمكم وسبها في شرفها وعرضها، وهذا أمر لا يجوز، وراجع فيه الفتوى رقم: 32178.

ثالثا: عدم قيامه بواجب الإنفاق على من تجب عليه نفقته كالأخ الصغر، فيجب على الأب أن ينفق على من لا مال له من أولاده الصغار كما هو مبين بالفتوى رقم: 25339.

رابعا: إقامته علاقة محرمة مع النساء وشربه للخمر وتبذيره أمواله في ذلك، وهذه أمور محرمة بلا ريب، وهو مسئول عن ذلك أمام الله تعالى.

خامسا: سبه لك وتبرؤه منك وقذفه لك، فهذه أمور منكرة وقبيحة خاصة وأنه يتلفظ بذلك أمام الناس مما يزيد الأمر قبحا، فالأصل في الأب الشفقة على أولاده والرحمة بهم لا الغلظة والجفاء عليهم.

سادسا: وهو أعظمها على الإطلاق سبه للرب تعالى، فذلك الغاية في النكارة، وكفر بالله العظيم كما سبق أن بينا بالفتوى رقم: 144555.

ومع ما كل ما حصل من والدك فإنه يبقى والدا، وتبقى له ولدا، يجب عليك بره والإحسان إليه، فإن الشرع قد أمر ببر الوالد ولو كان كافرا كما قال تعالى: وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا {لقمان:15 } وراجع الفتوى رقم: 69103.

ومن أعظم إحسانك إليه أن تسعى في إصلاحه بمناصحته بالمعروف أو تسليط من يمكنه مناصحته والتأثير عليه، فإن صلح حاله كان ذلك خيرا لكم جميعا. ولا تنس أن تكثر من الدعاء له بالتوبة والهداية، فقلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء.

وجمهور الفقهاء على أنه ليس للأب من مال ولده إلا ما كان محتاجا إليه، وبشرط أن لا يضر بولده في ذلك، فإذا طلب أبوك منك مالا وكان محتاجا إليه ولم يطلب منه ما يضر بك فادفعه إليه، عسى أن يعينك هذا الإحسان في سبيل سعيك في إصلاحه، وانظر الفتوى رقم: 101839.

وإذا كان من المحتمل أن يستخدم هذا المال في الحرام فمن المحتمل أيضا أن لا يستخدمه في ذلك، ولست مكلفا بالتنقيب في ذلك، فإذا أعطيته لم يلحقك إثم في ذلك.

وأما دعاء الوالد على ولده ظلما وعدوانا فإن الله تعالى أرحم من أن يستجيب لمثل هذه الدعوات، وفي كل الأحوال على الولد أن يتجنب أسباب غضب والده ودعائه عليه ما أمكنه، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها. وراجع الفتوى رقم: 44804، 118261.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني