الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

قال لزوجته أنت طالق مرتين فهل عليه طلقة واحدة أم طلقتان

السؤال

زوجتي حساسة وعصبية، في لحظة غضب وشجار بيننا طلبت الطلاق وسبق أن طلبته 3 مرات في لحظات مماثلة، فكنت أسكت، أما هذه المرة فقلت لها: أنت طالق ـ وأعادت الطلب فقلت: أنت طالق ـ ولا أذكر إذا طلبت ثالثة أو لا، علما أنها كانت حائضا، فهل وقع الطلاق؟ وكم طلقة وقعت؟ وهل لي أن أرجعها دون الرجوع إلى الشرعية؟ ولا أستطيع الحكم إذا كان غضبي أزال عني العقل، أو نصفه، ولكن بالتأكيد كنت غضبانا ومُستَفَزا جداً؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلا بد من التنبيه أولاً على أن الزوجة لا يجوز لها طلب الطلاق بدون عذر شرعي، لثبوت الوعيد الشديد في ذلك، فقد قال صلى الله عليه وسلم: أيما امرأة سألت زوجها الطلاق في غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة. رواه ابن ماجه وغيره، وصححه الشيخ الألباني.

والأسباب المبيحة للطلاق سبق بيانها في الفتوى رقم: 116133.

وبخصوص قولك: أنت طالق ـ فهو طلاق صريح لا يحتاج لنية وقد كررته مرتين يقيناً بعد طلب زوجتك، وهنا إن لم يكن قد حصل فصل بين العبارتين كما سنبينه بعد قليل فإنه ينظر في نيتك، فإن قصدت التأكيد بمعنى إنشاء الطلاق بالعبارة الأولى فقط وجعلت ما بعدها تأكيداً لزمتك طلقة واحدة، وإن قصدت إنشاء طلاق آخر بالعبارة الثانية، أو لم تقصد شيئاً لزمتك طلقتان، وراجع لمعرفة أقوال العلماء في تكرير الطلاق الفتوى

رقم: 134964.

ومحل لزوم طلقة واحدة عند قصد التأكيد إذا لم يحصل بين الطلقتين إلا وقت يسير لا يسمي فصلاً عادة مثل قول زوجتك ثانية: طلقني ـ أو نحو ذلك، فإن حصل بين العبارتين فصل بحسب العادة لزمتك طلقتان ولو قصدت واحدة فقط، جاء في شرح الزركشي لمختصر الخرقي: وأما لزوم واحدة لها - فقط - إذا نوى بالثانية إفهام الزوجة أن الطلاق قد وقع عليها، فلا ريب فيه، لأنه لم يقصد بالثانية إنشاء الطلاق، وإنما أراد الإخبار والبيان عما تقدم ومثل ذلك لو قصد التأكيد - نعم - يشترط أن لا يفصل بينهما بما لم تجر العادة به، إذ التوكيد تابع فشرطه الاتصال كسائر التوابع. انتهى.

أما المرة الثالثة التي شككت في حصول الطلاق فيها فلا يلزمك فيها شيء، لأن الأصل بقاء العصمة حتى يحصل يقين بانقطاعها، قال ابن قدامة في المغني: وإذا لم يدر أطلق أم لا؟ فلا يزول يقين النكاح بشك الطلاق، وجملة ذلك أن من شك في طلاقه لم يلزمه حكمه، نص عليه أحمد، وهو مذهب الشافعي وأصحاب الرأي، لأن النكاح ثابت بيقين فلا يزول بشك. انتهى.

وعلى افتراض حصول الطلاق واحدة، أو اثنتين فلك مراجعة زوجتك قبل تمام عدتها إن لم يكن هذا الطلاق مسبوقاً بما يكمل به ثلاث طلقات، وما تحصل به الرجعة سبق بيانه في الفتوى رقم: 30719.

ولا تحتاج في الرجعة إلى علم زوجتك ولا رضاها ولا الرجوع لمحكمة شرعية، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 128438.

وبخصوص غضبك الشديد فالراجح عندنا هو مذهب الجمهور وهو أن الغضب المانع من وقوع الطلاق هو أن يكون صاحبه قد تلفظ بالطلاق أثناء الغضب الشديد بحيث لا يعي ما يقول، لأنه حينئذ في حكم المجنون، أما إن كان يعي ما يقول فطلاقه نافذ، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 35727.

وحيث إنك لم تتحقق من غيبوبة عقلك فالأصل بقاؤه حتى يتحقق من غيابه، ومن القواعد المقررة أن الأصل بقاء ما كان على ما كان، وخصوصاً أن ما ذكرته من تفصيل المسألة يفيد أن عندك شيئاً من الإدراك، كما أن وجود الحيض لا يمنع الطلاق عند الجمهور ـ بمن فيهم المذاهب الأربعة، وهو القول الراجح ـ وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ومن وافقه لا يقع طلاق الحائض لكونه طلاقاً بدعياً محرماً، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 110547.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني