الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا يستطيع الإقلاع عن معصية فيكثر من الاسغفار والصدقة للتكفير

السؤال

التائب: إني أكثر من الاستغفار والصلاة والصدقة في محاولة مني للتكفير عن ذنب أقوم به باستمرار ولا أستطيع الإقلاع عنه، فأنا أعلم أن ما أقوم به ذنب كبير ولا أستطيع تركه، ولكن ضميري يؤنبني فأكثر من الصدقات والصلاة، فهل يجدي ذلك؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإننا نحذرك ـ أيها الأخ الكريم ـ من الاسترسال في المعصية والانهماك فيها وندعوك إلى التوبة النصوح إلى الله تعالى، فإن المعاصي والسيئات ولود يجر بعضها إلى بعض ويحمل بعضها على بعض، ويخشى على المرء من تتابع الذنوب واتصالها وعدم التوبة منها أن يصل به الأمر إلى أن يطبع الله على قلبه، كما قال تعالى: كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ {المطففين:14}.

وقد روى الترمذي وغيره، وقال الترمذي: حسن صحيح ـ من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن المؤمن إذا أَذْنَبَ ذَنْبًا كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ، فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ صُقِلَ قَلْبُهُ، وَإِنْ زَادَ زَادَتْ حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ فَذَلِكَ الرَّانُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ مَا كانُوا يَكْسِبُونَ.

فحذار حذار ـ أيها الأخ الفاضل ـ من هذه الغائلة الهائلة، ولا تعرض نفسك لغضب الله تعالى، فإن غضبه تعالى لا يقوم له شيء، واعلم أن تماديك في المعصية وإصرارك عليها يخشى عليك به سوء الخاتمة ـ والعياذ بالله ـ ويخشى مع تتابع الذنوب ومرور الأيام أن يسلب من قلبك هذا الشعور بالألم الذي تحس به عند فعل المعصية فلا تأمن مكر الله، فإنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون، وليس شيء أنفع لك من التوبة النصوح والاستقامة على شرع الله تبارك وتعالى والانكفاف عن الذنوب جميعها صغيرها والكبير، وقد يكون الأمر صعبا في أوله، لكن مع توطين النفس على التوبة والاستقامة ومجاهدتها المجاهدة التامة الصادقة والاستعانة بالله تبارك وتعالى واللجأ إليه في أن يصرف عنك شر الشيطان الرجيم وشر النفس الأمارة بالسوء لن يخيب سعيك وستوفق للإقلاع عن هذا الذنب بإذن الله، واعلم أن ما يفعله الإنسان من حسنات يرجى له به محو أثر الذنوب أو تخفيفه ـ بإذن الله ـ كما قال تعالى: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ {هود:114}.

قال ابن القيم رحمه الله: وقد دل النص والإجماع على أن التوبة مانعة من لحوق الوعيد ويمنع من لحوقه أيضا الحسنات الماحية والمصائب المكفرة ودعاء المسلمين وشفاعة من يأذن الله له في الشفاعة فيه وشفاعة أرحم الراحمين إلى نفسه. انتهى.

وقال رحمه الله: يعارض سبب المعاصي قوة الإيمان وعظمة الحسنات الماحية وكثرتها فيزيد في كميتها وكيفيتها على أسباب العذاب فيدفع الأقوى للأضعف وهذا شأن جميع الأسباب المتضادة كأسباب الصحة والمرض وأسباب الضعف والقوة. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني