الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الجمع بين النصوص هل يكون بمجرد الرأي أم له قواعد

السؤال

عندى شبهتان لو سمحتم وأريد الإجابة شافية بإذن الله. لماذا لم تكن أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم صريحة بمعنى مثال السنة البعدية للجمعة سيدنا عبد الله بن عمر كان يقول إن الرسول كان يصلي ركعتين، وفي حديث عن سيدنا محمد فيما معناه أن السنة بعد الجمعة أربع ركعات. وأنا أعلم أن العلماء جمعوا بين الحديثين، ولكن لماذا لا يكون حديثا واحدا يشمل الحديثين، مثلا سيدنا محمد يقول فيما معناه أنه من أراد أن يصلي بعد الجمعة يصلي ركعتين أو أربع. أنا ذكرت هذا الحديث مثالا فقط لا أكثر، ويوجد أحاديث كثيرة بهذا النوع، وأيضا أحاديث كثيرة يكون الأول فيه أمر من الرسول، ولكن حديث آخر أثبت أنه أمر للاستحباب. لماذا لا يوجد حديث واحد شامل بين الحديثين. أنا أعلم أنه ممكن أن يكون ما أقوله غلطا، لكن هذه شبهة عندي. والشبه الثانية: على أي أساس العلماء يجمعون بين الأحاديث؟ هل هي آراء شخصية فقط؟ أم ماذا؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فمن المعلوم أن نصوص الشرع منها ما هو قطعي لا يحتمل تأويلا ولا مساغ معه للاجتهاد، ومنها ما هو ظني يحتمل التأويل ويقبل الاجتهاد في فهمه، وفي الجمع بينه وبين النصوص الأخرى. ومن حكمة الله تعالى أنه لم يجعل نصوص الشرع كلها قطعية، بل وجد منها ما هو خفي الدلالة ليجتهد العلماء في بذل الوسع في الوصول إلى حكم الله تعالى، ولتعظيم أجورهم بذلك، وترتفع منازلهم عند الله بما يبذلونه من الجهد، وليظهر فضل بعضهم على بعض بما يخصه الله به من الفهم ودقة الاستنباط وجودة النظر، كما قال علي رضي الله عنه حين سئل هل خصكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء ؟ فقال : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما أعلمه إلا فهما يعطيه الله رجلا في القرآن وما في هذه الصحيفة .

فلو كانت كل النصوص من الكتاب والسنة بدرجة واحدة من الوضوح والظهور بحيث لا يخفى شيء من مدلولها على أحد من الناس، فكيف كان يتفاضل العلماء إذن ويمتازون بالفهم عن غيرهم، ويكون لهم من المنزلة عند الله تعالى وبين الناس ما هو معلوم ؟

وأيضا فإن وجود هذا النوع من أسباب الخلاف بين العلماء فيجتهدون في استنباط الأحكام فيؤجر المصيب منهم أجرين، والمخطئ يؤجر أجرا واحدا، ويكون في ذلك لطف بالعامة الذين أمروا باتباع علمائهم، فمن قلد واحدا منهم واتبعه في اجتهاده كان معذورا مرفوعا عنه الحرج، وغير ذلك من الحكم كثير مما ندرك بعضه وقد لا ندرك كثيرا منه، لكننا نؤمن أن الله تعالى حكيم فلا يفعل شيئا إلا لحكمة بالغة.

وأما العلماء فحاشاهم أن تكون اجتهاداتهم مجرد آراء شخصية أو أن يقولوا في دين الله بالهوى والتشهي، بل كلهم يحرص على اتباع الشرع المطهر، فيجتهد في البحث عن نصوصه وتحري الصحيح منها، والجمع بينه وبين ما يعارضه بأقرب الوجوه وأسلمها من التكلف بحسب ما يظهر للواحد منهم، وقد وضعوا للجمع بين الأدلة قواعد متينة وأسسا رصينة دونوها في كتب أصول الفقه كحمل المطلق على المقيد والعام على الخاص وحمل دلالة الأمر على الندب إذا دلت على ذلك قرينة إلى غير ذلك من القواعد الكثيرة التي تتبع في الجمع بين الأدلة، وهذه القواعد مستقاة من أدلة الشرع وتصرف الصحابة رضي الله عنهم في مثل ذلك، فإذا تعذر الجمع بين الدليلين المتعارضين لجأوا إلى الترجيح. وهذا بحث طويل الذيل جدا مبسوط في مواضعه من كتب الأصول بما تمكنك مراجعته فيها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني