الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كل أمة من الأمم نزل لها شرع ومنهاج

السؤال

سمعت بالتليفزيون أن الديانات السماوية عبادات وروحانيات ماعدا الدين الإسلامي فإنه هو الدين الوحيد الذي جاء بتشريع، فما معنى ذلك؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فأما معنى هذا الكلام فهو واضح, ومراد قائله أن الشرائع السابقة إنما اشتملت على الرقائق والمواعظ وشرعت فيها العبادات المنظمة لعلاقة الفرد بربه تعالى, ولم توجد فيها تشريعات تنظم علاقة الناس بعضهم ببعض في مناحي الحياة المختلفة الاقتصادية والاجتماعية، ولم تشرع فيها العقوبات الرادعة في الجنايات، هذا معنى الكلام المذكور, ونحن لا نسلمه ولا نوافق عليه, فإن الله تعالى يقول: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا {المائدة:48}. والقرآن والسنة ناطقان باشتمال التوراة على كثير من الأحكام والتشريعات، كما قال تعالى: وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ {المائدة:45}.

وثبت في الصحيح أن الرجم كان ثابتا في شرعهم، لكنهم بدلوا وغيروا وجعلوا مكان الرجم الجلد والتحميم لما كثر الزنى في أشرافهم، ونظائر هذا كثيرة، نعم الإنجيل ليس فيه من ذلك كبير شيء, وأكثر ما فيه المواعظ ونحوها وإن اشتمل على شيء من ذلك, ولذلك كان النصارى يعتمدون على التوراة في كثير من الأحكام, يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فهذا وغيره يبين ما ذكره علماء المسلمين من أن الإنجيل ليس فيه إلا أحكام قليلة, وأكثر الأحكام يتبع فيها ما في التوراة، وبهذا يحصل التغاير بين الشرعتين، ولهذا كان النصارى متفقين على حفظ التوراة وتلاوتها, كما يحفظون الإنجيل، ولهذا لما سمع النجاشي القرآن, قال: إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة, كذلك ورقة بن نوفل, قال للنبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر له النبي صلى الله عليه وسلم ما يأتيه قال: هذا هو الناموس الذي كان يأتي موسى. انتهى.
وإنما امتازت شريعة الإسلام على غيرها من الشرائع باشتمالها على الدلالة على جميع المصالح في الدنيا والآخرة، فهي أكمل الشرائع وأجمعها بكل خير, والقرآن خاتم الكتب كما أن محمدا صلى الله عليه وسلم خاتم الرسل وهو مهيمن على ما قبله من الكتب شاهد بصدق ما فيها مما لم يبدل وناسخ لجملة مما اشتملت عليه من الشرائع, قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ بعد كلام نفيس فيما امتاز به القرآن على غيره من الكتب ومعنى كونه مهيمنا عليه ما لفظه: وفيه أيضا من ضرب الأمثال وبيان الآيات على تفصيل ما جاء به الرسول ما لو جمع إليه علوم جميع العلماء لم يكن ما عندهم إلا بعض ما في القرآن، ومن تأمل ما تكلم به الأولون والآخرون في أصول الدين والعلوم الإلهية وأمور المعاد والنبوات والأخلاق والسياسات والعبادات وسائر ما فيه كمال النفوس وصلاحها وسعادتها ونجاتها لم يجد عند الأولين والآخرين من أهل النبوات ومن أهل الرأي كالمتفلسفة وغيرهم إلا بعض ما جاء به القرآن، ولهذا لم تحتج الأمة مع رسولها وكتابها إلى نبي آخر وكتاب آخر فضلا عن أن تحتاج إلى شيء لا يستقل بنفسه غيره, سواء كان من علم المحدثين والملهمين, أو من علم أرباب النظر والقياس الذين لا يعتصمون مع ذلك بكتاب منزل من السماء. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني