الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مشروعية لبس الثوب الأحمر وشرح حديث (تسرولوا وائتزروا)

السؤال

هل الثوب المعصفر هو ما به لون أحمر؟ قرأت أن ابن عمر رضي الله عنهما اشترى ثوبا فوجد به خطا أحمر فرده. فهل يحرم لبس الأحمر للرجال؟
وماذا أفعل في ملابسي القديمة الحمراء؟ سمعت أن ما يأمر به النبي صلى الله عليه وسلم للوجوب مالم تأت قرينة تحوله إلى الاستحباب أو الندب. فهل قوله صلى الله عليه وسلم للأنصار الذين قالوا له إن أهل الكتاب يتسرولون ولا يأتزرون فقال: تسرولوا واتزروا خالفوا أهل الكتاب فهل هذا وجوب؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد سبق في الفتوى رقم:9553. معنى المعصفر وحكم الصلاة فيه. فالرجاء مراجعتها.

أما الثوب الأحمر فيرى أكثر الفقهاء جواز لبسه والصلاة فيه مثل غيره من الثياب بلا كراهة، قال النووي في المجموع: ويجوز لبس الثوب الأبيض والأحمر والأصفر والأخضر والمخطط وغيرها من ألوان الثياب ، ولا خلاف في هذا ولا كراهة في شيء منه ..... إلى أن قال: ودليل جواز الأحمر وغيره مع الإجماع حديث البراء رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حلة حمراء. رواه البخاري ومسلم. انتهى.

وقال في روضة الطالبين: ويجوز للرجال والنساء لبس الثوب الأحمر والأخضر وغيرهما من المصبوغات بلا كراهة إلا ما ذكرنا في المزعفر والمعصفر للرجال. انتهى.

وقد ذكر ابن قدامة في المغني كراهة الصلاة في الثوب الأحمر للرجال في المذهب الحنبلي لكنه بعد أن ساق الأدلة على ذلك ذكر أيضا أدلة أخرى أقوى منها تفيد بأن الحمرة مثل سائر الألوان ، أي لا كراهة فيها.

وفي المذهب المالكي يكره الثوب الأحمر للرجل إذا كان فيه تشبها بالنساء أو شهرة، فإن لم يوجد ذلك فلا كراهة حينئذ. ففي الاستذكار لابن عبد البر: قال مالك في الملاحف المعصفرة في البيوت للرجال وفي الأفنية قال لا أعلم من ذلك شيئا حراما وغير ذلك من اللباس أحب إلي. انتهى

وفي مواهب الجليل على مختصر خليل في الفقه المالكي قال: قلت والحديث في النهي عن المعصفر عام في المفدم وغيره وهو ظاهر كلام صاحب الطراز وعلل ذلك بأن فيه تشبها بالنساء ولقد لعن صلى الله عليه وسلم من تشبه بالنساء من الرجال فتأمله. اهـ

وقال المازري في المعلم في كتاب اللباس: إنه أجاز لبس الملاحف المعصفرة للرجال في البيوت وفي أفنية الدور وكره لباسها في المحافل وعند الخروج إلى السوق، فكأنه رأى أن التصرف بها بين الملأ من لباس الاشتهار، فلهذا نهى عنه، وفي الديار ليس فيها اشتهار فأجازه. انتهى

ونقل البرزلي في كتاب الجامع عن ابن العربي أنه قال: وأما الأحمر ومنه المعصفر والمزعفر فأجازه مالك والشافعي وأبو حنيفة وكره بعض العراقيين المزعفر للرجال. انتهى والمفدم هو الأحمر الشديد الحمرة.

ومن هذه النقول يتبين أن الكثير من العلماء يرى جواز لباس الثوب الأحمر من غير كراهة، لا سيما إذا لم يكن فيه تشبه بالنساء، أو لم يكن خاصا بالكفار، أو تكن فيه شهرة للنهي عن ذلك في أحاديث أخرى.

وعلى هذا فلا حرج على الأخ السائل في استخدام ملابسه الحمراء إذا سلمت من خصوصية الكفار والتشبه بالنساء ومن الشهرة. ولمزيد الفائدة فيما يتعلق بالموضوع انظر الفتوى رقم: 18563.

وما ذكر عن ابن عمر رضي الله عنهما رواه أبوداود عن أبي عمر مولى أسماء بنت أبي بكر قال: رأيت ابن عمر في السوق اشترى ثوبا شاميا فرأى فيه خيطا أحمر فرده، فأتيت أسماء فذكرت ذلك لها فقالت يا جارية ناوليني جبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخرجت جبة طيالسة مكفوفة الجيب والكمين والفرجين بالديباج. والحديث صححه الألباني.

وسبب كراهية ابن عمر للثوب ليس لأن فيه خيطا أحمر، ولكنه كان يكره العلم من الحرير في الثوب، والعلم كالطراز، ولذلك لما علمت أسماء رضي الله عنها بما فعل ابن عمر أخرجت جبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي مكفوفة الجيب والكمين والفرجين بالديباج لتستدل به على جواز خيط الحرير في الثوب، وقد بوب أبو داود رحمه الله تعالى لهذا الحديث فقال: باب الرخصة في العلم وخيط الحرير. قال في عون المعبود : والظاهر أن الخيط كان من الحرير إلى أن قال : وأما إخراج أسماء جبة النبي صلى الله عليه وسلم فقصدت بها بيان أن هذا ليس محرما : ثم قال : واعلم أن عبد الله بن عمر رضي الله عنه كان يكره العلم من الحرير في الثوب ويقول إني سمعت عمر بن الخطاب يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنما يلبس الحرير من لا خلاق له. فخفت أن يكون العلم منه. رواه مسلم وحديث الباب وحديث عمر المذكور يدلان على الجواز إذا لم يزد على أربع أصابع كما لا يخفى وهو مذهب الجمهور. انتهى

ثم إن أمر النبي صلى الله عليه وسلم محمول على الوجوب عند جمهورأهل العلم إلا أن تصرفه عنه قرينة إلى الاستحباب أو الإباحة، كما سبق بيانه في الفتوى رقم:66156 .

والحديث المذكور لا يدل على وجوب لبس السراويل ولا الإزار، ولكن يدل على أن المسلم مطالب بمخالفة أهل الكتاب في تجنب الإزار، بل يلبس أيا منهما شاء، والأمر هنا ليس على الوجوب.

وقد استدل الفقهاء بهذا الحديث على استحباب السراويل.

قال في كشاف القناع في الفقه الحنبلي: ( ويسن السراويل ) لما روى أحمد عن أبي أمامة قال قلنا يا رسول الله إن أهل الكتاب يتسرولون ولا يأتزرون، قال: تسرولوا وائتزروا وخالفوا أهل الكتاب. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني