الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تعريف الضرورة، ومن يدخل فيه

السؤال

هل غضب الأب على ابنه مقبول وله تأثير عند الله، إذا كان السبب هو أن الأب لا يريد الابن أن يقوم بما يلي:
تشمير الإزار؛ بسبب أن ذلك يعد في ليبيا شبهة، ولأن منظره غير لائق لدى العامة، كما أنه يواجه بقمع من قبل الدولة.
الصلاة في المسجد جماعة في صلاة الفجر لنفس السبب، وما حكم الشرع في ذلك بالنظر إلى الظروف المذكورة أعلاه؟
ترك اللحية، وعدم حلقها، مع العلم أنها لا زالت متقطعة، وغير كاملة؛ لنفس الأسباب المذكورة أعلاه، وما رأي الشرع فيها؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

1- فإن بر الوالدين من أعظم الطاعات، التي جاء بها صريح القرآن كما في قوله تعالى: وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا {الأحقاف: 15}، وقال تعالى: وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا {العنكبوت: 8}، وقال تعالى: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا {الإسراء:23}، إلى غير ذلك من الآيات، وفي الحديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فاستأذنه في الجهاد، فقال: "أحي والداك؟" قال: نعم، قال: "ففيهما فجاهد". رواه البخاري، ومسلم، وغيرهما، هذا هو الأصل، ولمعرفة كيفية التعامل مع والدك في هذه الحالة، راجع الفتوى: 1454.

2- ذهب بعض العلماء إلى تحريم الإسبال في الثوب للخيلاء، ولغير الخيلاء، وذهب بعضهم إلى تحريمه إذا كان للخيلاء، ولم يحرموه لغيرها، والراجح عندنا هو الأول؛ لأنه يوافق مجموع الأحاديث الواردة في الأمر، ولمعرفة الحكم بالتفصيل، راجع الفتوى: 5943.

3- صلاة الجماعة في المسجد واجبة، على المستطيع لها، وإذا منعك والدك منها، فلا تطعه؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولمعرفة هذا الحكم بالتفصيل، راجع الفتوى: 3880.

4- حلق اللحية حرام، ويجوز أخذ ما زاد على القبضة منها؛ لورود ذلك عن بعض الصحابة - رضي الله عنهم -، وللتعرف إلى دليل ذلك، راجع الفتوى: 14055.

ولتعلم أيها الأخ الكريم - ثبتنا الله وإياك - أنه يجب على المسلم الالتزام بالواجبات، التي أوجبها الله عليه، ولا يجوز له تركها بحال، إلا إذا عرضت له ضرورة تبيح له تركها؛ وذلك للقاعدة المعروفة: "الضرورات تبيح المحظورات"، ولكن لا بدّ أن تعلم أن الضرورة تقدر بقدرها، ودليل هذه القاعدة بضابطها قول الله تعالى: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ {البقرة:173}.

وقد عرَّف العلماء الضرورة بأنها "بلوغ الإنسان حدًّا إن لم يناول الممنوع، هلك، أو قارب -كالمضطر للأكل، بحيث لو بقي جائعًا لمات، أو تلف منه عضو، أو فقد جارحة-، وهذا يبيح له تناول المحرم.

فإذا كان الحال كذلك، جاز فعل المحرم؛ لإنقاذ النفس من الهلاك، أو العضو، أو الحاسة من التلف.

ومن حالات الاضطرار المذكورة في القرآن، الاضطرار إلى قول الباطل، كما في قوله تعالى: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ {النحل: 106}، فإذا أباح الله النطق بالكفر عند الاضطرار، فغيره من المعاصي أولى؛ لأنه لا معصية أكبر من الكفر.

ومن القواعد المفرعة على هذه القاعدة: "المشقة تجلب التيسير"، و"إذا ضاق الأمر اتسع".

فالأمر على هذا متروك لك؛ لأننا لا نستطيع تقدير حالتك؛ لعدم علمنا بالواقع الذي تعيشه، والذي ستتحدد من خلاله الضرورة ومقدارها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني