الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم تقليد العامي لأحد الأئمة الأربعة

السؤال

في سريلانكا أكثر المسلمين هنا مقلدين لمذهب الإمام الشافعي ولا خلاف بينهم ولا مشاكل، ولكن ظهر قريبا فريق من المسلمين يسمونهم السلفية وبعضهم أهل التوحيد، ويتكلمون عن أشياء كثيرة خاصة يقولون التقليد لمذهب من البدعة القبيحة وما كان في عهد الصحابة، والتقليد من المنكرات وكلهم أهل بدع، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، وإني أسالكم بالله لو كان التقليد من البدعة فأكثر المسلمين في العالم الآن يقلدون أحد المذاهب الأربعة، وهذا يعني أن كلهم من أهل البدعة! والعلماء من السلف مثل الإمام النووي والحافظ ابن حجر العسقلاني مصنف فتح البارى وغيرهم كانوا مقلدين ومؤيدين لمذهبهم، وهم من أهل البدع! وهم من أهل النار!وعوام الناس عندنا لا يعرفون الألف والباء فكيف يتبعون القرآن والحديث دون أن يعرفوا أي شيء؟ أفيدوني.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فليس على أهل بلدك من حرج البتة في تقليد مذهب الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ فإن فرض العامي هو أن يقلد من يوثق بعلمه ودينه من أهل العلم، والإمام الشافعي رـ حمه الله ـ ممن أجمعت الأمة على عدالته وإمامته فمقلده العامي في سعة من أمره ـ إن شاء الله ـ وقد قال الله جل اسمه: فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ {النحل:43}.

فإذا فعل العامي ما يقدر عليه من تقليد العالم الثقة لم يكن ملوما وكان فاعلا لما أمر به شرعا، إذ الله لا يكلف نفسا إلا وسعها، وشرط ذلك عدم التعصب للمذهب بحيث يحصل عليه الولاء والبراء، وعدم اعتقاد اتباع إمام معين دون غيره، وأما ما ذكرته عن الحافظين النووي وابن حجر من كونهما شافعيين فهو صحيح بلا شك، ولكنهما لم يكونا متعصبين، بل كثيرا ما خالفا المذهب ورجحا خلافه حين ظهر لهما الدليل شأن علماء الإسلام عبر العصور الذين لا يقدمون على الدليل حيث ظهر شيئا، فالأصل هو وجوب اتباع الدليل من الكتاب والسنة لمن قدر على ذلك، ولا ينافي هذا التمذهب بمذهب من المذاهب المعتبرة ما دام المتمذهب يلتزم باتباع الكتاب والسنة حيث ظهر له رجحان خلاف مذهبه، فعلى هؤلاء القوم أن يخففوا من غلوائهم، وأن لا يطلقوا لسانهم بالتبديع والتضليل من غير بينة، ولم يزل التمذهب بالمذاهب المعروفة دأب علماء الإسلام، وكان هؤلاء العلماء كما ذكرنا لا يتعصبون لهذه المذاهب ولا يعتقدون عصمة أصحابها، وأما العوام فإذا قلدوا إماما ثقة فإنهم لا يقدرون على غير هذا فكيف يتوجه إليهم اللوم فضلا عن التأثيم والتبديع، وتقليد مثل الشافعي خير لهؤلاء العامة من تقليد آحاد ممن ينتسبون لطلب العلم فيتصدرون للترجيح قبل الإحاطة بأطراف المسائل ويبادرون إلى الفتوى مع القصور والتقصير فيكونون إلى الخطأ أقرب منهم إلى الصواب، وهذا كلام للشيخ الفوزان نسوقه لهؤلاء المتسرعين لعل فيه نفعا لهم، يقول الشيخ حفظه الله: والتمذهب بمذهب واحد من المذاهب الأربعة المعروفة التي بقيت وحفظت وحررت بين المسلمين والانتساب إلى مذهب منها لا مانع منه، فيقال : فلان شافعي، وفلان حنبلي، وفلان حنفي، وفلان مالكي، ولا زال هذا اللقب موجودا من قديم بين العلماء حتى كبار العلماء يقال مثلا: ابن تيمية الحنبلي، وابن القيم الحنبلي وما أشبه ذلك ولا حرج في ذلك، ومجرد الانتماء إلى المذهب لا مانع منه، لكن بشرط أن لا يتقيد بهذا المذهب فيأخذ كل ما به سواء كان صوابا، أو خطأ، بل يأخذ منه ما كان صوابا، وما علم أنه خطأ لا يجوز له العمل به وإذا ظهر له القول الراجح فإنه يجب عليه أن يأخذ به سواء كان في مذهبه الذي ينتسب إليه، أو في مذهب آخر، لأن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد. انتهى.

ولمزيد الفائدة حول حكم التقليد للعامي وحكم التمذهب راجع الفتاوى التالية أرقامها، 17519، 121511، 62387.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني