الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التلفيق بين المذاهب في مسألة واحدة يختلف عنه في أكثر من مسألة

السؤال

سؤالى بخصوص التلفيق: يرى جمهور الفقهاء أن لفظ السراح هو كناية طلاق، و يراه الشافعية والحنابلة أنه لفظ صريح، و يرى المالكية أنه كناية ظاهرة لا تحتاج إلى نية. يرى جمهور الفقهاء أن الطلاق لا يقع بالكناية مع دلالة الحال دون نية، فى حين أن الحنفية والحنابلة يرون أنه لا يحتاج إلى نية لإيقاع الطلاق. لفظ السراح منتشر فى اللغة العربية في أغراض أخرى دون الطلاق . و أيضا قد يحدث خلاف بين الأزواج فيقول الرجل لزوجته مثلا: "لا أريد رؤيتك" بدون قصد الطلاق.
أريد أن أعرف حكم الزوج الذي استخدم كلمة السراح مع زوجته دون أي نية للطلاق، وليس فى حالة غضب، وعندما سأل مفتيه قال له إن ذلك ليس طلاقا فأخذ بفتواه. نفس هذا الزوج، ولكن في موقف آخر مع نفس الزوجة قال لها وقت غضب مثلا "لا أريد رؤيتك" أو ما شابه من الكناية و لكنه لم يقصد الطلاق. وعندما سأل نفس مفتيه قال له إن ذلك ليس طلاقا فأخذ بفتواه. علما بأن هذا الرجل لا يأخذ بالمذهب المالكي في الطلاق. هذان الموقفان كان بعدهم سنوات، ثم علم الرجل بما يعرف بالتلفيق. هل كانت زوجته فى عصمته أم لا؟ لقد استفتى و أخذ برأي الجمهور في كل مرة، و مع ذلك قد يكون قد ارتكب إثما بشعا بسبب التلفيق. أم أننا لا نأخذ بالأئمة الأربعة فقط؟ أنا أعاني من الوسواس القهري والتفكير في هذا النوع من الأمور يدمرني، و في نفس الوقت أنا لا أريد التلاعب أو التحايل في الشرع. فلا أستطيع أن أوقف التفكير؟ جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، وبعد:

فما ذكرته من التفصيل عن عبارة [السراح ] صحيح كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 127970 ، والفتوى رقم: 149019.

وكناية الطلاق إذا صحبتها قرينة حال وقوعها كحال غضب أو بعد سؤال طلاق مثلا فلا تحتاج لنية عند الحنابلة والحنفية.
جاء في الموسوعة الفقهية : وَهَل يَحِل مَحَل النِّيَّةِ قَرَائِنُ الْحَال فِي وُقُوعِ الطَّلاَقِ بِالْكِنَايَةِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ ؟ . ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمُعْتَمَدِ إِلَى أَنَّ قَرَائِنَ الْحَال كَالنِّيَّةِ فِي وُقُوعِ الطَّلاَقِ بِاللَّفْظِ الْكِنَائِيِّ، كَمَا لَوْ قَال لِزَوْجَتِهِ فِي حَالَةِ غَضَبٍ: الْحَقِي بِأَهْلِكِ ، فَإِنَّهُ طَلاَقٌ وَلَوْ لَمْ يَنْوِهِ، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ فِي حَالَةِ مُسَاءَلَةِ الطَّلاَقِ . وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ إِلَى عَدَمِ الاِعْتِدَادِ بِقَرَائِنِ الْحَال هُنَا، فَلاَ يَقَعُ الطَّلاَقُ بِاللَّفْظِ الْكِنَائِيِّ عِنْدَهُمْ إِلاَّ إِذَا نَوَاهُ مطْلَقًا. انتهى.
وعلى أية حال فإنه يجوز للشخص تقليد مذهب بعينه من المذاهب الأربعة أو غيرهم ممن حفظ مذهبه في محل التقليد.
جاء في الفواكه الدواني للنفراوي المالكي: ولذا قال بعض المحققين: المعتمد أنه يجوز تقليد الأربعة، وكذا من عداهم ممن يحفظ مذهبه في تلك المسألة ودون حتى معرفة شروطه وسائر معتبراته. انتهى.
وراجع المزيد من كلام أهل العلم في هذه المسألة وذلك في الفتوى رقم: 31408.
وبناء على ذلك فيجوز للزوج المذكور تقليد من أفتاه بكون عبارة [السراح] لا يقع بها طلاق من غير نية نظرا لمن يقول بذلك من أهل العلم. كما يجوز له أيضا تقليده في عدم وقوع الطلاق بالعبارة المذكورة ولو كان نطق بها أثناء الغضب نظرا لمن يقول بعدم الطلاق في هذه المسألة. وليس في هذا تلفيق؛ لأن من أهل العلم من لا يرى وقوع الطلاق بالعبارة المذكورة إلا مع النية، سواء كان قائلها في حالة غضب أم لا.
ولو افترضنا وجود حالة تلفيق في حالتين، فإن ذلك لا يدخل في التلفيق المذموم شرعا؛ إذ التلفيق المذموم إنما هو في المسألة الواحدة.
جاء في الموسوعة الفقهية: المراد بالتلفيق بين المذاهب أخذ صحة الفعل من مذهبين معا بعد الحكم ببطلانه على كل واحد منهما بمفرده, ومثاله : متوضئ لمس امرأة أجنبية بلا حائل وخرج منه نجاسة كدم من غير السبيلين, فإن هذا الوضوء باطل باللمس عند الشافعية, وباطل بخروج الدم من غير السبيلين عند الحنفية, ولا ينتقض بخروج تلك النجاسة من غير السبيلين عند الشافعية, ولا ينتقض أيضا باللمس عند الحنفية, فإذا صلى بهذا الوضوء , فإن صحة صلاته ملفقة من المذهبين معا, وقد جاء في الدر المختار: أن الحكم الملفق باطل بالإجماع.
وفي الموسوعة أيضا: والتلفيق المقصود هنا هو ما كان في المسألة الواحدة بالأخذ بأقوال عدد من الأئمة فيها . أما الأخذ بأقوال الأئمة في مسائل متعددة فليس تلفيقا وإنما هو تنقل بين المذاهب أو تخير منها. انتهى.
مع التنبيه إلى أن تقليد أي مذهب لا يجوز أن يكون من باب تتبع الرخص، بل الواجب التقيد في ذلك بالضوابط التي حددها أهل العلم، وراجع فيها الفتوى رقم: 5592
وننصحك بالإعراض عن التفكير في مثل هذه الأمور فقد يترتب على ذلك ما لا تحمد عقباه.وأنفع علاج لمثل هذه الوساوس هو عدم الالتفات إليها، وراجع للفائدة الفتوى رقم: 3086.
والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني