الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حرمة الرشوة ولعن صاحبها

السؤال

في المحاكم لدينا أكثر ناس يرتشون هم القضاة وكتابهم، والقضاة وكتابهم لايقاضون وهم آكلون للسحت، وإذا لم تمش حسب هواهم فأنت عدو لهم، ولو كنت صاحب حق وطلبت منهم أن يعدلوا فلن يعدلوا إذا لم تدفع لهم، وقد شدد وغلظ المشرع في جرم الرشوة للراشي والمرتشي، ولا يوجد من تشتكي له في المحاكم على القاضي، كأن القاضي ملك أنزل من السماء. سوالي هو: هل هناك من يبين للقضاة وكتابهم حرمة عملهم هذا؟ أو لجنة يمكن أن تقاضيهم على أعمالهم هذه؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فمما لا شك فيه أن الرشوة من كبائر الذنوب، ملعون صاحبها على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم. فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال : لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي . رواه أحمد وأبو داود وهو عند الترمذي بزيادة: في الحكم. وقال: حديث حسن صحيح. وفي رواية: والرائش. وهو الساعي بينهما. وقال تعالى: (سماعون للكذب أكالون للسُحت) [المائدة : 41]. قال الحسن وسعيد بن جبير هو: الرشوة. وقال تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون) [البقرة: 188].
إذاً فطلب الرشوة حرام، وقبولها حرام. هذا في الرشوة التي يتوصل بها صاحبها إلى ما ليس له.

وأما الرشوة التي يتوصل بها المرء إلى حقه، أو لدفع ظلم عنه أو ضرر، فإنها جائزة عند الجمهور، ويكون الإثم فيها على المرتشي الذي يأخذها دون الراشي الذي يقدمها مضطرا.
قال ابن الأثير: فأما ما يُعطى توصلاً إلى أخذ حق أو دفع ظلم فغير داخل فيه. روي أن ابن مسعود أُخذ بأرض الحبشة في شيء فأعطى دينارين حتى خُلي سبيله، ورُوي عن جماعة من أئمة التابعين أنهم قالوا: لا بأس أن يصانع الرجل عن نفسه وماله، إذا خاف الظلم. انتهى.

وقال الشيخ الخرشي في شرحه لمختصر خليل: وأما دفع المال لإبطال الظلم فهو جائز للدافع حرام على الآخذ. انتهى.

وقال القرطبي رحمه الله: وروي عن وهب بن منبه أنه قيل له: الرشوة حرام في كل شيء؟ ‏قال: إنما يكره من الرشوة أن ترشي لتعطى ما ليس لك، أو تدفع حقاً قد لزمك. أما أن ‏ترشي لتدفع عن دينك ودمك ومالك فليس بحرام.‏ قال أبو الليث السمرقندي: وبهذا نأخذ. لا بأس بأن يدفع الرجل عن نفسه وماله بالرشوة ‏‏، وهذا كما روي عن ابن مسعود أنه كان بالحبشة فرشاً دينارين. وقال: إنما الإثم على ‏القابض دون الدافع. اهـ

وقال صاحب تحفة الأحوذي بشرح الترمذي: فأما ما يعطى توصلا إلى أخذ حق أو دفع ظلم فغير داخل فيه. روي أن ابن مسعود أُخذ بأرض الحبشة في شيء، فأَعطى دينارين حتى خلِّي سبيله، وقال: إن الإثم على القابض دون الدافع، وروي عن جماعة من أئمة التابعين، قالوا: لا بأس أن يصانع الرجل عن نفسه وماله إذا خاف الظلم. اهـ

وأما عن سؤالك إن كنت تعني به هل هناك من يبين أن للقاضي وكتابه حرمة عملهم أو لجنه يمكن أن تقاضيهم. فالجواب أن تحريم هذا الأمر لا يخفى، وقد بينه أهل العلم قديما وحديثا.

وأما عن اللجنة التي يمكن أن تقاضيهم فنرجو أن تسأل عنها بعض أهل العلم ببلدكم.

ونسأل الله أن يصلح حال الأمة، ويوفق قضاتها وحكامها للعدل والحكم بالحق.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني