الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بين فضل الحياة في سبيل الله وفضل الشهادة

السؤال

هل يصح نسبة هذا القول للشيخ ابن باز رحمه الله "من نذر نفسه لخدمة دينه فسيعيش متعباً، ولكن سيحيى كبيراً ويموت كبيراً ويبعث كبيراً ، والحياة في سبيل الله أصعب من الموت في سبيل الله" .؟ حيث يقول البعض إن هذا القول لم يثبت عن الشيخ ابن باز، وينسبه البعض للشيخ القرضاوي، والبعض يقول هو أشبه بكلام الشيخ سيد قطب رحمه الله، ويقول البعض الآخر ذكرها الشيخ عبدالعزيز الفوزان في موقعه على النت وعزاها للشيخ عبدالعزيز بن باز. وهل في العبارة ما يتصادم مع صحيح الإسلام؟ حيث يقول البعض إن هذا القول فيه تهوين من أمر الجهاد والركون إلى الدنيا، والشيخ ابن باز موقفه واضح من قضية الجهاد في سبيل الله، وله رسالة في ذلك .

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلم نقف على قائل هذه العبارة بحسب ما تيسر من البحث، وأقرب ما وقفنا عليه شبها بألفاظها ما قاله الأستاذ سيد قطب في تفسير سورة المزمل من (الظلال) حيث يقول: إن الذي يعيش لنفسه قد يعيش مستريحاً ، ولكنه يعيش صغيراً ويموت صغيراً ، فأما الكبير الذي يحمل هذا العبء الكبير .. فماله والنوم، وماله والراحة، وماله والفراش الدافئ والعيش الهادئ والمتاع المريح. اهـ.
وأما العبارة المذكورة من حيث المعنى ، فلم نفهم منها تهوينا لأمر الجهاد ولا ركونا إلى الدنيا، و ما جاء في ختامها من عبارة: " الحياة في سبيل الله أصعب من الموت في سبيل الله " فالمراد به حياة الاستقامة الصادقة على مراد الله، فعلا وتركا، ظاهرا وباطنا، وموافقة الشريعة في مقاصدها ووسائلها، ولا شك أن هذا يعني الوصول إلى مرتبة الصديقية التي هي أعلى مراتب الإيمان بعد النبوة، كما يشير إليه قوله تعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا [النساء: 69]

ومعلوم أن رفع مقام الصديقين على مقام الشهداء لا يعني بخس الشهداء حقهم، ولا إنكار فضائلهم، ولكن لكل درجات مما عملوا.
وإذا تقرر ذلك، فليس في العبارة المذكورة تهوين من أمر الجهاد والشهادة في سبيل الله، وعلى أية حال، فمن فهم من هذه العبارة التهوين من أمر الجهاد والشهادة، فإنه قد يفهم مثل ذلك من نصوص الشريعة نفسها، كحديث طلحة بن عبيد الله: أن رجلين من بلي قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان إسلامهما جميعا، فكان أحدهما أشد اجتهادا من الآخر فغزا المجتهد منهما فاستشهد، ثم مكث الآخر بعده سنة ثم توفي، قال طلحة: فرأيت في المنام بينا أنا عند باب الجنة إذا أنا بهما فخرج خارج من الجنة فأذن للذي توفي الآخر منهما، ثم خرج فأذن للذي استشهد، ثم رجع إلي فقال: ارجع فإنك لم يأن لك بعد. فأصبح طلحة يحدث به الناس فعجبوا لذلك، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وحدثوه الحديث، فقال: من أي ذلك تعجبون؟ فقالوا: يا رسول الله هذا كان أشد الرجلين اجتهادا ثم استشهد ودخل هذا الآخر الجنة قبله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أليس قد مكث هذا بعده سنة؟ قالوا: بلى. قال: وأدرك رمضان فصام وصلى كذا وكذا من سجدة في السنة؟ قالوا: بلى. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فما بينهما أبعد مما بين السماء والأرض. رواه ابن ماجه وأحمد وصححه الألباني. فهل في هذا تهوين من أمر الجهاد وتحقير لمكان الشهادة ؟!

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني