الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مدى وقوع الطلاق بلفظ (السراح)

السؤال

سؤالي هو: شخص كان يعاني من الوسواس القهري، فيجد صعوبة في الدخول في النية للوضوء، فحلف أنه إن تراجع عن الدخول في النية تكون خطيبته (كانت في هذا الوقت أجنبية عنه) محرمة عليه إن تزوجها (كتحريم الأم) وحنث. قبل الزواج سأل الرجل مفتيه (وهو شيخ محل ثقة وجائز للفتوى) فأفتاه أنه لم يصادف محلا، وعلى ذلك ليس عليه كفارة أخذا بالمذهب الشافعي. فتزوج ولم يكفر بناء على هذه الفتوى. بعد مدة كثيرة من الزواج، كانت زوجته تفكر في شيء فسألها بالنص "سرحانة في أي شيء؟ " أي "سرحانة في ماذا؟" و هي كلمة دارجة بمعنى بماذا تفكرين؟ بدون أي نية للطلاق، وبقصد بماذا تفكرين. مع العلم أنه يحاول تفادي هذا اللفظ ، ولكن لسانه سبق عقله. لفظ السراح من ألفاظ الطلاق الصريحة عند المذهب الشافعي فعندما سأل الرجل نفس مفتيه أجابه بأنه ليس طلاقا (على مذهب الجمهور وهو الرأي الأرجح) وأيضا أنه لا يستطيع أن يعتبر الصيغة بهذه الطريقة طلاقا على المذهب الشافعي وأيضا يمكن أن يندرج في طلاق المخطىء. فأخذ الرجل بكلامه ولم يعتبره طلاقا. و بعد سنوات وإنجاب أطفال سمع الرجل عن التلفيق، فخاف أن تكون زوجته محرمة عليه في الأربع مذاهب (إذا كان هذا فيه شبهة طلاق عند الشافعية وظهار الأجنبية المعلق عند المذاهب الأخرى) هناك خمس نقاط أرجو السؤال عنها : أولا: من المعروف أن لفظ السراح من ألفاظ الطلاق الصريحة عند المذهب الشافعي إلا إذا قال مثلا اسرحي مع الدواب أي بوجود قرينة (في كتاب الأم للشافعي) مع عدم وجود نية، وهذا شبيه بما حدث، فكانت هناك قرينة، وهي أنها تفكر فضلا عن الصيغة "سرحانة في ماذا" وليس مجرد كلمة "اسرحي " أو "أنت مسرحة" أو "سرحتك". ثانيا: عرفت أنه أفتى ابن حجر المكي من الشافعية بأن : " اسرحي " كناية ؛ لأنه من " سرَح " بالتخفيف ، وليس من " سرّح " بالتشديد فهل يجوز الأخذ بفتواه خاصة أنه لا يوجد اقتناع بأن سراح لفظ صريح. ثالثأ: لقد كان الرجل يحاول تجنب مثل هذا اللفظ ولكن لسانه سبق عقله لأنها كلمة دارجة جدا في مصر وتقريبا أغلب الناس تستخدمها، فضلا أن المراد من الكلمة لم يكن مقصود بها الطلاق. فهل يعتبر من الطلاق الخطأ أم لا؟ رابعا: هل لفظ "سرحانة في ماذا " أصلا صيغة طلاق صريح عند الشافعية أم لا؟ وهل سرحان بمعنى يفكر من مشتقات السراح؟ خامسا: لقد كان هذا سؤالا. فهل يقع الطلاق بصيغة سؤال؟ بناء على هذا فهل الطلاق واقع على المذهب الشافعي أم لا؟ أسئلتى هي: هل هذا الموقف به تلفيق محرم بين أحكام الطلاق والظهار إذا اعتبرنا أن الطلاق واقع على مذهب الشافعي؟ أم أن الطلاق مسألة والظهار مسألة أخرى، فلا تلفيق بينهما؟ هل الطلاق أصلا واقع على المذهب الشافعي أم لا؟ أم هو من الطلاق الخطأ الذي يدين على المذهب الشافعي ؟ وهل يجوز الأخذ بفتوى ابن حجر المكي من الشافعية خاصة أنه لا يوجد اقتناع بأن سراح لفظ صريح ؟ هل إذا تم أداء كفارة الظهار الآن تنتهي المشكلة بذلك للخروج من الخلاف والتلفيق؟ و هذا سؤال مهم جدا. هل الفتوى على هذه المذاهب الأربعة فقط؟ وهل يمكن أن يكون رأي الجمهور به تلفيق في بعض الأحيان؟ ملحوظة: لا يرجى من هذا اتباع الأهواء في الأخذ بالمذاهب للأسف لا يوجد محاكم شرعية في بلدنا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فاعلم أولا أن هذا الكلام نعني قول الزوج لزوجته:" سرحانة في إيه " ليس له علاقة أصلا بموضوع الطلاق، لأنه يسألها عن الشيء الذي ذهب إليه تفكيرها. فنخشى أن يكون من يتخيل أن مثل هذا يمكن أن يكون طلاقا مصابا بالوسواس. فإذا كان الأمر كذلك فطلاق الموسوس المغلوب على عقله لا يقع أصلا كما سبق وأن بينا بالفتوى رقم: 56096.

ثانيا: أن قوله : "سرحانة في إيه". لا يدخل أصلا في كلام ابن حجر الهيتمي في فتاويه، فإنه قد تكلم عمن قال لزوجته اسرحي بمعنى اذهبي، فقال إن هذا كناية لأنه يحتمل أن يريد بالذهاب أمرا آخر غير الطلاق. فأي علاقة بين كلامه هذا وبين من قال لزوجته: سرحانة في إيه.

ثالثا: أن لفظ السراح الذي تكلم عنه الشافعية، وذكروا أنه صريح في الطلاق فهو من سرح بالتشديد ومصدره تسريح بمعنى فارق، لذلك تكلموا عنهما معا هل هما من الصريح أو لا. قال ابن حجر في فتاويه:(وفرق واضح بين سرح بتخفيف الراء وهو ما مر الكلام فيه وسرح بالتشديد وهو المشتق من السراح أي مأخوذ منه، وإلا فالتحقيق أنه مشتق من التسريح إذ هو المصدر الحقيقي، وأما السراح فاسم مصدر ومعنى سرح المضعف لغة أرسل فهو بمعنى فارق فلذلك جعلوه صريحاً لوروده في القرآن العزيز مرادفاً للتطليق قال الله تعالى: {أو تسريح بإحسان} (البقرة: 229) إذا تقرر ذلك فالأمر من سرح المضاعف سرحي، وأما اسرحي فليس من هذه المادة فلا يعطى حكمها بل يكون كناية كما مر)اهـ.

والخلاصة أن ما ذكرته لاطلاق فيه ولا تلفيق فهون على نفسك وأعرض عن الوساوس.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني