الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما يلزم من حلف بالطلاق ألا يدعو امرأته للفراش

السؤال

طلبت زوجتي للفراش فتمنعت بحجة خوفها من الحمل، حيث إنها كانت في اليوم الـ 42 بعد الولادة، لم أحتمل هذا الرفض فحلفت عليها يمين طلاق أن لا أدعوها للمعاشرة الجنسية مرة أخرى. وحتى الآن منذ عشرة أشهر وأنا على عهدي في يميني هذا. لكن ينتابني إحساس بأني ظالم لزوجتي. أرجو الفتوى والإفادة. ولكم الشكر.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فننبه أولا على أنه لا يجوز للزوجة الامتناع عن فراش زوجها بدون عذر شرعي، لثبوت حرمة ذلك والوعيد الشديد في شأنه. ففي الصحيحين واللفظ للبخاري من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء لعنتها الملائكة حتى تصبح.

وخوفها من حصول الحمل ليس بعذر لامتناعها عن الفراش.

وبخصوص ما تلفظت به فهو يمين إيلاء عند كثير من أهل العلم. قال الخرشي يعدد أمثلة الإيلاء: ...وكذلك يكون موليا إذا قال والله لا أطؤك حتى تسأليني الوطء أو حتى تأتيني إذا دعوتك لمشقة ذلك على النساء ولمعرة إتيانها إليه عندهن معرة عظيمة. اهـ

ويحصل الإيلاء بالحلف بالطلاق عند أكثر أهل العلم جاء في المغني لا بن قدامة : وجملته أن شروط الإيلاء أربعة أحدها: أن يحلف بالله تعالى أو بصفة من صفاته، ولا خلاف بين أهل العلم في أن الحلف بذلك إيلاء . فأما إن حلف على ترك الوطء بغير هذا؛ مثل أن حلف بطلاق أو عتاق أو صدقة المال أو الحج أو الظهار؛ ففيه روايتان: إحداهما: لا يكون موليا، وهو قول الشافعي القديم. والرواية الثانية: هو مول . وروي عن ابن عباس أنه قال: كل يمين منعت جماعها فهي إيلاء، وبذلك قال الشعبي والنخعي ومالك وأهل الحجاز والثوري وأبو حنيفة وأهل العراق والشافعي وأبو ثور وأبو عبيد وغيرهم؛ لأنها يمين منعت جماعها فكانت إيلاء كالحلف بالله تعالى؛ ولأن تعليق الطلاق والعتاق على وطئها حلف بدليل أنه لو قال : متى حلفت بطلاقك فأنت طالق. ثم قال : إن وطئتك فأنت طالق. طلقت في الحال. انتهى

وإذا تقرر أن هذا إيلاء فيحق لزوجتك رفع أمرها لقاض شرعي بعد مضي أربعة أشهر من يمينك ليأمرك بالجماع أو الطلاق، فإن لم ترفع أمرها، واستمرت على حالها، فلا تحنث إلا بالجماع ولو طال الزمن.

جاء في المدونة للإمام مالك : قلت : أرأيت لو أن رجلا قال لامرأته إن وطئتك فأنت طالق ثلاثا البتة. أيطلقها عليه مالك مكانه أم يجعله موليا ولا يطلقها عليه ؟ قال : بلغني عن مالك أنه قال هو مول . قلت : لم لا يطلقها مالك عليه حين قال: إن وطئتك فأنت طالق البتة، وقد علم مالك أن هذا لا يستطيع أن يقيم على امرأة إلا أن يطأها ؟ قال : لأن هذا لا يحنث إلا بالفعل، وليس هذا أجلا طلق إليه، وإنما هذا فعل طلق به، فلا يطلق حتى يحنث بذلك الفعل، وهي إن تركته فلم ترفعه إلى السلطان لم يقع عليه الطلاق أبدا إلا أن يجامعها، فههنا وجه لا يقع عليه طلاق أبدا؛ لأنها إن تركته لم يقع عليها الطلاق. انتهي

وإذا أقدمت على جماعها حصل الطلاق بمجرد مغيب الحشفة، ثم لك أن تنوي الرجعة ببقية الجماع، وهذا هو الأولى لتسلم من الإثم المترتب على النزع عند بعض أهل العلم كالمالكية. جاء في شرح الخرشي لمختصر خليل المالكي : يعني أنه إذا حلف الزوج لزوجته إن وطئتك فأنت طالق واحدة أو اثنتين فإنه يكون موليا، ويمكن من وطئها، فإذا وطئها وقع عليه الطلاق بأول الملاقاة، فالنزع حرام، فالمخلص من الحرمة أن ينوي ببقية وطئه الرجعة، فإن امتنع أن يطأ على هذا الوجه طلق عليه. انتهي

وفي أسني المطالب ممزوجا بروض الطالب لزكريا الأنصاري الشافعي : لو قال إن وطئتك طالق ثلاثا أو فأنت طالق فهو إيلاء؛ لأن وقوع الطلاق بالوطء يمنع عنه ( فله وطؤها وعليه النزع بتغييب الحشفة ) في الفرج لوقوع الطلاق حينئذ، ولا يمتنع من الوطء بتعليق الطلاق؛ لأنه يقع في النكاح والنزع بعد الطلاق ترك للوطء وهو غير محرم لكونه واجبا، وظاهر كلام الأصحاب وجوب النزع عينا، لكن صرح في الأنوار بأن الواجب النزع أو الرجعة. انتهى

ولا شك أن هجر الزوجة عشرة أشهر ظلم لها وتفريط في حقوقها؛ لأن القول الراجح هو وجوب جماعها بقدر حاجتها وقدرة الزوج، كما هو مذهب شيخ الإسلام ابن تيمية. وراجع الفتوى رقم: 116778.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني