الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم الزواج ممن خرجت من النصرانية ولم تدخل الإسلام

السؤال

أحببت فتاة أوروبية خرجت من المسيحية، لعدم اعتقادها في صحة الكتاب المقدس، ولا بعصمة البابا، ولا بجدوى صكوك الغفران ولا كرسي الاعتراف، ولعلمي بعدم مشروعية زواجي منها، لأنها ملحدة، شرعت منذ عدة أشهر في دعوتها إلى الإسلام بطريقة غير مباشرة، وبحمد الله نجحت في تجديد إيمانها بالله، حتي صارت تعتقد بوجود إله هو علة وجود هذا الكون ومسيره، وهو مبدأ الموجودات من بشر وكائنات وعرضت عليها الإسلام، حتى آمنت بأن اتباع تعاليم الإسلام في مختلف القضايا التي أتيحت لها الفرصة أن تقف على رأي الإسلام فيها كحقوق الإنسان، المرأة، الأقليات، الرق، التكافل، الحدود هي الطريق الصحيح لتحقيق حياة كريمة للبشر، وعرضت عليها الإعجاز العلمي في القرآن، حتى صارت تؤمن بأن توافق القرآن ونتائج العلم الحديث هو دليل على عدم بشريته، وأن عدم بشريته تعني في النهاية ألوهية مصدره، ثم خيرتها بين اليهودية والمسيحية، والإسلام فأخبرتني في أحد الأيام أنها حصلت على موعد من القائمين على أحد المراكز الإسلامية لإشهار إسلامها، وهنا راودني الشك، هل حقا ستشهر إسلامها لاقتناعها به كدين؟ أم فقط ليتسنى لي الزواج منها؟ فأعلمتها بشتي الطرق أن الأمر بالنسبة لي سواء، إن هي اختارت أي من الأديان السماوية الثلاثة، ومن كل قلبي كنت أتمنى أن تختار الإسلام، واليوم تطرقنا إلى الحديث عن القصاص، فأعلنت لي عدم اقتناعها بأن يسلب إنسان ما حق الحياة، أيا ما كان جرمه، وهنا تذكرت قول الحق: وما كان لمؤمن ولا مؤمنه إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ـ فرميتها بعدم الإيمان، ولا أدري إن كان الوقت مناسبا للخوض في هذه المسألة التي يقف الكثير من المسلمين منها نفس الموقف، بينما هي لا تزال على أول الطريق، قلت لها أعيدي النظر ودققي في الاختيار، فأنت لست بمسلمة، ولا أدري، هل ما فعلته صواب أم خطأ، لاسيما وأني أرى منها بوادر العودة إلى المسيحية، بعد أن كانت على وشك الإسلام؟ وسؤالي: أيا ما كان اختيارها، فهل يجوز لي زواجها؟ وهل يجوز وهي على حالها هذا وأن نقول بجواز نكاحها قياسا على المسيحية، وذلك بجامع الإيمان بالله، وعدم الإقرار بنبوة النبي محمد صلى الله عليه وسم؟ الرجاء سرعة الرد، خصوصا وقد اقترب موعد إشهار إسلامها.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن آمنت تلك الفتاة وشهدت ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وعملت بمقتضى ذلك فيجوز لك الزواج بها، وكذا لو اعتنقت ديانة كتابية كاليهودية أو النصرانية، لكنك ذكرت ميلها إلى الإسلام، واعتقادها صحة مجمل مبادئه، وهذا ما ينبغي الحرص عليه وهو إيمانها، ولا يستوي أن تكون مؤمنة أوغير مؤمنة، فتخييرك لها بين ذلك لا ينبغي، كما أن نقاشك لها حول مسألة تطبيق الحدود والقصاص في غير محله، بل يكتفى بترغيبها فيه بالحكمة والموعظة الحسنة، فلو جاء إنسان يريد أن يسلم فقيل له لو سرقت قطعنا يدك ولو زنيت جلدناك، ولو فعلت كذا فعلنا بك كذا فلربما كان ذلك صادا له عن الإسلام، لكن يبين له حقوق الله عليه وحقوق الناس وحقوق نفسه، فلا يظلمها بارتكاب ما يستوجب عقوبة، وقد يلجأ إلى العقل في الإقناع كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في قصة الشاب الذي جاءه يريد إباحة الزنا، وأنه لا يصبر عنه فلم يعنفه ولم يكفره بأنه لا يرضى حكم الله ورسوله، بل قال له هل ترضاه لأمك؟ فقال لا، وسأله هل ترضاه لأختك؟ فقال لا، وهل ترضاه لابنتك؟ فيقول لا، فيقول صلى الله عليه وسلم: ولا الناس يحبونه لبناتهم، رواه أحمد، فحاوره بالعقل والحكمة حتى خرج الشاب معرضا عن الزنا مقتنعا بجرمه وسوئه، بل قد صار أبغض شيء إليه بإقراره بذلك، وقد أرشد القرآن إلى هذه الأساليب بقوله: ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن { النحل: 125}.
وبالتالي، فينبغي أن تعين الفتاة على الدخول في الإسلام بترغيبها فيه وعدم الخوض معها فيما قد يكون سببا في صدها عنه ولو كانت تريد أن تقرأ أو تناقش حول موضوع ما فينبغي أن تدلها على أولي العلم لتعرض شبهتها أو ما يشكل عليها ليبينوا لها الصواب ويزيلوا عنها اللبس والإشكال، وتجدر الإشارة إلى أن ما ذكرته من التفاصيل يفيد اختلاطا شديدا منك بتلك الفتاة، ولا يخفى ما قد ينجر عن ذلك غالبا من الفتن والفساد، فكان الصواب أن يكون النقاش والحوار بينك وبينها بواسطة بعض محارمك من النساء أو محارمها من الرجال، ففتنة النساء هي أضر الفتنة كما أخبر بذلك الصادق المصدوق، فاحذر من ذلك، واعلم ان السلامة لا يعدلها شيء ودين المرء هو رأس ماله، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 4220، 2779، 30695.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني