الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل وصف الجو بأنه كئيب مثل سب الدهر؟

السؤال

في إحدى المرات زل لساني وقلت الجو كئيب وزفت. فهل هذا يعتبر من سب الريح أو الجو أم أنه يعتبر وصفا لا أكثر ولا أقل أو أنني بقولي هذا دخلت في الكفر أو الشرك؟ وهل يجب علي العودة إلى الإسلام إن دخلت في الكفر أو الشرك أم تكفي التوبة؟ وأيضا زل لساني وقلت للنعمة ( لبعض البساكيت والحلويات ونحوها ) إنها ليست أكل وإنها خرابيط وكلام فاض. فهل يعتبر كلامي كفرا للنعمة؟ وما حكم الأقوال غير المتعمدة أو الأفعال التي قد تصدر من الإنسان بغير قصد هل يحاسب عليها الإنسان أم لا؟ وأيضا قد أذم الطعام أو أسبه بغير تعمد فهل أأثم؟ وأيضا ذكر أحد المشايخ الرسول فلم أقل صلى الله عليه وسلم بل زل لساني وقلت سبحانه، وأيضا حدث لي أن قلت يلعن الحر هذا وكلها زلات. فماذا ترون علما بأني أعاني من الوسوسة؟ وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا يعتبر هذا من سب الريح ولا من سب الدهر وإنما يعتبر من وصف الحال، وهو مباح ولا يقع قائله في الكفر ولا سيما إن كان موسوسا.

فقد قال العلامة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله: وأَما وصف الدهر بالشدة والرخاء والخير والشر: فلا بأس بذلك، كقوله سبحانه: سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا. وقوله: سَبْعٌ شِدَادٌ. وقوله صلى الله عليه وسلم: لا يأتي زمان إلا الذي بعده شر منه. والأَدلة على ذلك كثيرة جدًا... انتهى.

وقال الشيخ ابن عثيمين في القول المفيد: سب الدهر ينقسم إلى ثلاثة أقسام: الأول: أن يقصد الخبر المحض دون اللوم: فهذا جائز، مثل أن يقول: تعبنا من شدة حر هذا اليوم أو برده، وما أشبه ذلك، لأن الأعمال بالنيات، ومثل هذا اللفظ صالح لمجرد الخبر، ومنه قول لوط عليه الصلاة والسلام: هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ. الثاني: أن يسب الدهر على أنه هو الفاعل، كأن يعتقد بسبه الدهر أن الدهر هو الذي يقلب الأمور إلى الخير والشر، فهذا شرك أكبر، لأنه اعتقد أن مع الله خالقا، لأنه نسب الحوادث إلى غير الله، وكل من اعتقد أن مع الله خالقا، فهو كافر، كما أن من اعتقد أن مع الله إلها يستحق أن يعبد، فإنه كافر. الثالث: أن يسب الدهر لا لاعتقاده أنه هو الفاعل، بل يعتقد أن الله هو الفاعل، لكن يسبه، لأنه محل لهذا الأمر المكروه عنده، فهذا محرم، ولا يصل إلى درجة الشرك، وهو من السفه في العقل والضلال في الدين، لأن حقيقة سبه تعود إلى الله سبحانه، لأن الله تعالى هو الذي يصرف الدهر، ويُكَوِّن فيه ما أراد من خير أو شر، فليس الدهر فاعلا، وليس هذا السب يُكَفِّر، لأنه لم يسب الله تعالى مباشرة. انتهى.

وقال الشيخ صالح آل الشيخ في شرح كتاب التوحيد: ليس من مسبة الدهر وصف السنين بالشدة، ولا وصف اليوم بالسواد، ولا وصف الأشهر بالنحس، ونحو ذلك، لأن هذا مقيد، وهذا جاء في القرآن في نحو قوله جل وعلا: فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ. فوصف الله جل وعلا الأيام بأنها نحسات، والمقصود: في أيام نحسات عليهم، فوصف الأيام بالنحس، لأنه جرى عليهم فيها ما فيه نحس عليهم، ونحو ذلك قوله جل وعلا في سورة القمر: فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ. فهذا ليس من سب الدهر، لأن المقصود بهذا أن الوصف ما حصل فيها كان من صفته كذا وكذا على هذا المتكلم، وأما سبه أن ينسب الفعل إليه فيسب الدهر لأجل أنه فعل به ما يسوؤه، فهذا هو الذي يكون أذية لله جل وعلا. انتهى.

وأما تنقص الطعام فهو مخالف للسنة، ففي الصحيح من حديث أبي هريرة قال: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عاب طعاما قط، كان إن اشتهاه أكله وإن لم يشتهه سكت.

ولكنه لا يكفر به فإن وصف المال بالرداءة لا يكفر به بل إن الظاهر جوازه فقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ. وقد فسر شراح الحديث الدقل برديء التمر.

وأما الأقوال أو الأفعال التي قد تصدر من الإنسان بغير قصد فلا يحاسب عليها الإنسان كما قال تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا. { الأحزاب: 5 }.

وروى ابن ماجه في سننه عن أبي ذر الغفاري ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. والحديث صححه الألباني.

ويناء عليه فلم يقع الكفر منك بسبب ما ذكرت، وننصحك بالإعراض عن الوساوس وشغل وقتك وطاقتك بما يفيد من علم وعمل وتسلية مباحة حتى ينصرف ذهنك عن التفكير في هذه الأمور.

وكلما جرك الشيطان إليها فالجأ إلى الله واستعذ به وأكثر من الذكر والدعاء.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني