الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المن في حق الله تعالى وفي حق العبد

السؤال

سألت سؤالا قبل ذلك عن اسم الله المنان، وأفدتمونى بأنه اسم من أسماء الله الحسنى، ولكني أريد أيضا معرفة معنى المن إذا وصف به الله سبحانه وتعالى ومعناه إذا وصف به العبد. وهل هي صفة حسنة في حق البشر؟ جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالمنان اسم من أسماء الله تعالى، لما روى أحمد وأبو داود وابن حبان عن أنس أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا ورجل يصلي، ثم دعا:اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان، بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى.

ومعنى المن إذا وصف به الله سبحانه وتعالى قال فيه القاضي عياض في مشارق الأنوار على صحاح الآثار:قيل منان منعم، وقيل الذي يبدأ بالنوال قبل السؤال، وقيل الكثير العطاء. وقوله ليس أحد أمن علينا في صحبته من أبي بكر أي أجود وأكرم وأكثر تفضلا وليس من المن المذموم الذي هو اعتداد الصنيعة على المعطي، ومن ذلك قوله: لا يدخل الجنة منان. اهـ.

وقال صاحب النهاية في أسماء الله تعالى: [ المنان ] هو المنعم المعطي من المن : العطاء لا من المنة . وكثيرا ما يرد المن في كلامهم بمعنى الإحسان إلى من لا يستثيبه ولا يطلب الجزاء عليه . فالمنان من أبنية المبالغة كالسفاك والوهاب. اهـ

ومعناه إذا وصف به العبد الذي يكثر المنة على غيره كما في التيسير بشرح الجامع الصغير للمناوي .
وقال الخطابي في المعالم : المنان يتأول على وجهين أحدهما من المنة وهي إن وقعت في الصدقة أبطلت الأجر، وإن كانت في المعروف كدرت الصنيعة وأفسدتها. والوجه الآخر أن يراد بالمن النقص يريد النقص من الحق والخيانة في الوزن والكيل ونحوهما، ومن هذا قال الله سبحانه: وإن لك لأجرا غير ممنون. أي غير منقوص، قالوا ومن ذلك يسمى الموت منونا لأنه ينقص الأعداد ويقطع الأعمار. انتهى.

وفي مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح : قال الطيبي: المنان الذي لا يعطي شيئا إلا منة واعتد به على من أعطاه، وهو مذموم لأن المنة تفسد الصنيعة، ويحتمل أن يراد به القطاع للرحم من من أي قطع ومنه قوله تعالى: لهم أجر غير ممنون. اهـ
وقد حرم الشرع أن يمن العبد على الناس وذم الله ذلك وأخبرنا أنه يحبط العمل، فقال سبحانه: الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنًّا وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ* قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى وَاللّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ* يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ. البقرة:262-264

قال البغوي في تفسيره: وهو أن يمنّ عليه بعطائه، فيقول: أعطيتك كذا، ويعدّ نعمه عليه فيكدرها. انتهى.

وقد وردت الأحاديث بالنهي عن المن بالصدقة، ففي صحيح مسلم عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: المنان بما أعطى، والمسبل إزاره، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب. وفي الحديث: لا يدخل الجنة منان ولا عاق ولا مدمن خمر. رواه النسائي. وقال الشيخ الألباني : صحيح.

وقال النووي في المجموع: يستحب دفع الصدقة بطيب نفس , وبشاشة وجه. ويحرم المن بها، فلو من بطل ثوابه , قال الله تعالى : { لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى }. وعن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم , قال : فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات , قال أبو ذر : خابوا وخسروا , من هم يا رسول الله ؟ قال : المسبل , والمنان , والمنفق سلعته بالحلف الكاذب } رواه مسلم , والمراد المسبل إزاره أو ثوبه تحت الكعبين للخيلاء . اهـ

وفي الآداب الشرعية لابن مفلح: ويحرم المن بما أعطى بل هو كبيرة على نص أحمد رضي الله عنه، فقد روى هو ومسلم من حديث أبي ذر رضي الله عنهم: { ثلاثة لا يكلمهم الله عز وجل يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم : المسبل والمنان ، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب } ولأبي داود في رواية { والمنان الذي لا يعطي شيئا إلا منة } . ولأحمد والنسائي من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما { لا يدخل الجنة منان } وهو لأحمد من حديث أبي سعيد . ولهما حديث ابن عمر رضي الله عنهما { ثلاثة لا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة : العاق لوالديه ، ومدمن الخمر ، والمنان بما أعطى } . اهـ

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني