الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

توضيح حول رواية الزهري بشأن انقطاع الوحي وموقف سيد المرسلين

السؤال

أود أن أحيطكم علما أن هناك خطئا يذكر عن السيرة النبوية العطرة في باب فتور الوحي وذلك في الحديث القائل: فقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم فتر عنه الوحي بعد نزول الآيات الأولى من سورة العلق ومقابلته لورقة بن نوفل، كما في صحيح البخاري فحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم حزنا غدا منه مرارا كي يتردى من رؤوس شواهق الجبال، فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي منه نفسه تبدى له جبريل فقال: يا محمد إنك رسول الله حقا، فيسكن لذلك جأشه وتقر نفسه فيرجع ـ فأنتم تقولون بهذا الحديث الموصول الكاذب للزهري أنه بعد فتور الوحي قد أراد النبي الانتحار وحاشا لله أن يفعل نبينا ذلك ولقد تأكدت بنفسي من خطئه وذلك بالرجوع لسيرة ابن هشام وغيرها وأن هذا الكلام كذب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم وهوالمعصوم من الخطإ وأن الله سبحانه كيف يبعث برسول يرتاب من رسالته بعد وحي الله له ولقد أفتيتم في سؤال لأحد الناس رقم الفتوى: 9240ـ وكان السؤال كالتالي: ما مدى صحة حديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم حاول الانتحار؟ وقد أجبتم كالتالي: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ثبت في الصحيحين وغيرهما في قصة بدء الوحي وذهاب النبي صلى الله عليه وسلم مع خديجة ـ رضي الله عنها ـ إلى ورقة بن نوفل أن الوحي فتر مدة ثم تتابع، قال صلى الله عليه وسلم وهو يحدث عن فترة الوحي: بينما أنا أمشي إذ سمعت صوتا من السماء فرفعت بصري، فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض فرعبت منه، فرجعت فقلت: زملوني زملوني، فأنزل الله تعالى: يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ المدثر:1ـ إلى قوله: والرجز فاهجر ـ فحمي الوحي وتتابع ـ وقال الزهري ـ كما في صحيح البخاري: وفتر الوحي فترة حتى حزن النبي صلى الله عليه وسلم ـ فيما بلغنا ـ حزنا غدا منه مراراً كي يتردى من رؤوس شواهق الجبال، فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي منه نفسه تبدى له جبريل، فقال: يا محمد، إنك رسول الله حقا، فيسكن لذلك جأشه، وتقر نفسه، فيرجع، فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك، فإذا أوفى بذروة جبل تبدى له جبريل فقال له مثل ذلك، قال الحافظ ابن حجر: وهو من بلاغات الزهري وليس موصولاً، ونقل عن الإسماعيلي قوله: ثم كان من مقدمات تأسيس النبوة فترة الوحي، ليتدرج فيه ويمرن عليه، فشق عليه فتوره، إذ لم يكن خوطب عن الله بعدُ أنك رسول الله، ومبعوث إلى عباده، فأشفق أن يكون ذلك أمر بُدئ به، ثم لم يُرَد استتمامه فحزن لذلك، حتى إذا تدرج على احتمال أعباء النبوة والصبر على ثقل ما يرد عليه فتح الله له من أمره بما فتح.
انظر فتح الباري: 12/452 كتاب التعبير حديث رقم 6982.
وقال الصالحي في سبل الهدى والرشاد 2/272: الحكمة في فترة الوحي والله أعلم: ليذهب عنه ما كان يجده صلى الله عليه وسلم من الروع وليحصل له التشوق إلى العو.
والله أعلم.
وسؤالي لكم هل يعقل هذا الكلام: إذ لم يكن خوطب عن الله بعدُ أنك رسول الله، ومبعوث إلى عباده، فأشفق أن يكون ذلك أمر بُدئ به، ثم لم يُرَد استتمامه؟ وهل الله سبحانه وتعالى يبدأ بشيء ثم لا ينهيه؟ ومامعنى الكلام؟ وهل الله سبحانه وتعالى غير كلامه وأستغفر الله على ذلك وحاشا لله طبعا ومعنى هذا الكلام أن الله رأى به الخير ثم رأى به الشر وهذا تنقيص لله ولرسوله وحاشا لله أن يكون الله وهو العالم بكل شيء وحاشا نبينا المصطفى إلا أن يكون كما قال الله عنه وإنك لعلى خلق عظيم، يا سيادة المفتي أنا غيورة على نبينا عليه الصلاه والسلام مثلكم تماما والله إنني لما سمعت هذا كدت أشك بنبينا فكيف بالله أن يبعث إلينا نبيا يقدم على الانتحار ويرتاب برسالة الله وذهبت إلى السيرة النبوية لابن هشام وتأكدت من بطلانها وأنتم موقع شامل وزواركم كثر فكيف تفتون هذه الفتوى أرجو التحري قبل الطعن بنبينا عليه الصلاة والسلام.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنشكرك على غيرتك واتصالك وقد بينا رد ما روى الزهرى في الفتوى رقم: 158281.

وأما ما ذكرته من الإشفاق فهو مبني على الرواية التي بينا ردها، وأما البداء في العلم والإرادة، فلا تجوز نسبته إلى الله وليس هناك تغيير فيما كتب في اللوح المحفوظ ولكن ما يوجد في الصحف التي عند الملائكة قد يتغير فيمحو الله منه ما يشاء ويثبت ما يشاء، قال العلامة السعدي: يمحو الله ما يشاء من الأقدار ويثبت ما يشاء منها، وهذا المحو والتغيير في غير ما سبق به علمه وكتبه قلمه، فإن هذا لا يقع فيه تبديل ولا تغيير، لأن ذلك محال على الله أن يقع في علمه نقص أو خلل، ولهذا قال: وعنده أم الكتاب أي: اللوح المحفوظ الذي ترجع إليه سائر الأشياء، فهو أصلها وهي فروع له وشعب، فالتغيير والتبديل يقع في الفروع والشعب، كأعمال اليوم والليلة التي تكتبها الملائكة، ويجعل الله لثبوتها أسبابا ولمحوها أسبابا، لا تتعدى تلك الأسباب ما رسم في اللوح المحفوظ، كما جعل الله البر والصلة والإحسان من أسباب طول العمر وسعة الرزق، وكما جعل المعاصي سببا لمحق بركة الرزق والعمر، وكما جعل أسباب النجاة من المهالك والمعاطب سببا للسلامة، وجعل التعرض لذلك سببا للعطب، فهو الذي يدبر الأمور بحسب قدرته وإرادته، وما يدبره منها لا يخالف ما قد علمه وكتبه في اللوح المحفوظ هـ.

وقال الشيخ العثيمين: يقول رب العالمين عزّ وجل: يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ـ أي اللوح المحفوظ ليس فيه محو ولا كتاب، فما كتب في اللوح المحفوظ فهو كائن ولا تغيير فيه، لكن ما كتب في الصحف التي في أيدي الملائكة فهذا: يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ. هـ.

وفي فتح الباري للحافظ ابن حجر: المحو والإثبات بالنسبة لما في علم المَلَك، وما في أم الكتاب هو الذي في علم الله تعالى فلا محو فيه البتة، ويقال له: القضاء المبرم، ويقال للأول: القضاء المعلق. اهـ.

وراجع الفتوى رقم: 21570.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني