الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم من أصر على الحلف بغير الله أو استحله مع علمه بتحريمه

السؤال

ما حكم من أصر على القسم بغير الله وهو عالم أنه شرك خفي؟ وما حكم من استحل هذا وهو عالم بتحريمه؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإنه لا يجوزللمسلم أن يتعمد الحلف بغير الله تعالى فضلا عن أن يصر عليه أو يستحله، لأن الحلف بغير الله ثبت النهي عنه ووصفه بأنه شرك، لما في حديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تعالى ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت. متفق عليه.

وروى البخاري عن نافع عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما: أنه أدرك عمر بن الخطاب في ركب وهو يحلف بأبيه فناداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفاً فليحلف بالله وإلا فليصمت.

وفي سنن أبي داود، عن سعد بن عبيدة قال: سمع ابن عمر رجلاً يحلف لا والكعبة، فقال له ابن عمر: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من حلف بغير الله فقد أشرك.

وهذا الشرك يعتبر شركا أصغر، لا يخرج عن ملة الإسلام إلا إذا قصد الحالف بحلفه تعظيم المحلوف به كتعظيم الله فإنه يصير بذلك شركاً أكبر مخرجاً من الملة ـ والعياذ بالله ـ قال ابن العربي في الحلف بالأيمان المشتملة على الحلف بغير الله: من حلف بها جاداً فهو كافر، ومن قالها جاهلاً أو ذاهلاً يقول: لا إله إلا الله يكفر الله عنه ويرد قلبه عن السهو إلى الذكر ولسانه إلى الحق وينفي عنه ما جرى به في اللغو. انتهى

وقال الحافظ ابن حجر في الفتح بعد أن ذكر حديث ابن عمر المتقدم الذكر: والتعبير بقوله: فقد كفر أو أشرك ـ للمبالغة في الزجر والتغليظ في ذلك وقد تمسك به من قال بتحريم ذلك.

وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ في شرح رياض الصالحين: والقسم بغير الله كفر أو شرك ثم قد يكون كفرا أكبر وقد يكون كفرا أصغر وكذلك قد يكون شركا أكبر وقد يكون شركا أصغر، فإذا اعتقد الحالف في شيء أن هذا الشيء له من العظمة مثل ما لله فإن هذا شرك أكبر، وإن اعتقد أن له عظمة دون عظمة الله فهو شرك أصغر، لأنه وسيلة للأكبر، وكانوا في الجاهلية قد اعتادوا أن يحلفوا بآبائهم فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه وقال لا تحلفوا بآبائكم يعني ولا بإخوانكم ولا بأجدادكم ولا برؤسائكم لكن خص الآباء بالذكر لأن هذا هو المعتاد عندهم: من كان حالفا فليحلف بالله أو ليسكت ـ يعني إما ليحلف بالله أو لا يحلف أما أن يحلف بغير الله فلا. انتهى

وإن لم يقصد ذلك وأصرعلى الحلف بغير الله بعد علمه بأنه من الشرك واستحله فهو على خطر عظيم ـ والعياذ بالله تعالى ـ فيجب عليه أن يراجع نفسه ويتوب إلى الله تعالى، ولا يجوز له تقليد من قال بالكراهة أو التحريم بعد علمه بالأحاديث الناهية عنه فقد َقَالَ الشَّافِعِي: أجمع النَّاس على أَن من استبانت لَهُ سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يكن لَهُ أَن يَدعهَا لقَوْل أحد. اهـ.

ولكنه لا يكفر باستحلاله له، فإن استحلال المعاصي لا يكفر به إلا إذا كان المحرم متفقاً على تحريمه، وظهر حكمه بين المسلمين، كما قال ابن قدامة في المغني: ومن اعتقد حل شيء أجمع على تحريمه وظهر حكمه بين المسلمين وزالت الشبهة فيه للنصوص الواردة فيه كلحم الخنزير والزنا وأشباه ذلك مما لا خلاف فيه كفر. انتهى.

وهذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم كما قال الحافظ ابن حجر في الفتح بعد أن ذكر حديث ابن عمر المتقدم الذكر: والتعبير بقوله فقد كفر أو أشرك للمبالغة في الزجر والتغليظ في ذلك وقد تمسك به من قال بتحريم ذلك.

وأما اليمين بغير الله: فقد ثبت المنع فيها وهل المنع للتحريم قولان عند المالكية، كذا قال ابن دقيق العيد والمشهور عندهم الكراهة والخلاف أيضا عند الحنابلة لكن المشهور عندهم التحريم وبه جزم الظاهرية، وقال ابن عبد البر: لا يجوز الحلف بغير الله بالإجماع ومراده بنفي الجواز الكراهة أعم من التحريم والتنزيه فإنه قال في موضع آخر: أجمع العلماء على أن اليمين بغير الله مكروهة منهي عنها لا يجوز لأحد الحلف بها والخلاف موجود عند الشافعية من أجل قول الشافعي أخشى أن يكون الحلف بغير الله معصية فأشعر بالتردد وجمهور أصحابه على أنه للتنزيه، وقال إمام الحرمين المذهب القطع بالكراهة وجزم غيره بالتفصيل فإن اعتقد في المحلوف فيه من التعظيم ما يعتقده في الله حرم الحلف به وكان بذلك الاعتقاد كافرا وعليه يتنزل الحديث المذكور، وأما إذا حلف بغير الله لاعتقاده تعظيم المحلوف به على ما يليق به من التعظيم فلا يكفر بذلك ولا تنعقد يمينه. انتهى.

وانظر الفتويين رقم: 26378، ورقم: 127227.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني