الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف يعين الله مريد الزواج وهو لا يستطيع الباءة

السؤال

كيف توفق بين الحديثين التاليين: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من استطاع منكم الباءة فليتزوج، وحديث: ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف؟ وسؤالي: كيف سيعين الله من يريد الزواج وهو لايستطيع الباءة كما في الحديث الأول؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فهذا الحديث الأول فيه إرشاد من النبي صلى الله عليه وسلم للشباب إلى المبادرة بالتزوج عند وجود استطاعته من توفر القدرة على أعبائه وتكاليفه من النفقة ونحوها وكذا الجماع، واستطاعة الباءة معناها استطاعة الجماع لوجود مؤن النكاح ـ وهو ما يتزوج به ـ قال الشوكاني رحمه الله: قال الخطابي: المراد بالباءة النكاح، وأصله الموضع يتبوؤه ويأوي إليه ـ وقال النووي: اختلف العلماء في المراد بالباءة هنا على قولين يرجعان إلى معنى واحد أصحهما: أن المراد معناها اللغوي وهو الجماع، فتقديره من استطاع منكم الجماع لقدرته على مؤنه وهي مؤنة النكاح فليتزوج، ومن لم يستطع الجماع لعجزه عن مؤنه فعليه بالصوم ليدفع شهوته ويقطع شر منيه كما يقطعه الوجاء، والقول الثاني: إن المراد بالباءة مؤنة النكاح سميت باسم ما يلازمها وتقديره من استطاع منكم مؤنة النكاح فليتزوج، ومن لم يستطع فليصم، قالوا: والعاجز عن الجماع لا يحتاج إلى الصوم لدفع الشهوة فوجب تأويل الباءة على المؤن، وقال القاضي عياض: لا يبعد أن تختلف الاستطاعتان فيكون المراد بقوله من استطاع الباءة أي بلغ الجماع وقدر عليه فليتزوج ويكون قوله: ومن لم يستطع ـ أي لم يقدر على التزويج وقيل الباءة بالمد القدرة على مؤن النكاح وبالقصر الوطء. انتهى.

وأما الحديث الثاني: ففيه وعد من الله بعون من يتزوج ابتغاء العفة فمن لم يكن عنده مال كاف أو كان في ضيق من العيش وتزوج ليحصن نفسه وتوكل على الله تعالى أعانه الله وأغناه ويؤيد ذلك قوله تعالى: وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم {النور: 32}.

فقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس أنه قال: أمر الله سبحانه بالنكاح ورغبهم فيه، وأمرهم أن يزوجوا أحرارهم وعبيدهم ووعدهم في ذلك الغنى، فقال: إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله. انتهى.
وأخرج أيضا بسنده عن ابن مسعود أنه قال: التمسوا الغنى في النكاح، يقول الله: إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله. انتهى.
وذكر ابن كثير في تفسيره: أن أبا بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ قال: أطيعوا الله فيما أمركم به من النكاح، ينجز لكم ما وعدكم به من الغنى، قال تعالى: إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله. انتهى.
وأخرج عبد الزراق، وذكره القرطبي في تفسيره: أن عمر ـ رضي الله عنه ـ قال: عجبي ممن لا يطلب الغنى في النكاح، وقد قال الله تعالى: إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله. انتهى.
وقال القرطبي في تفسيره: وهذا وعد بالغنى للمتزوجين طلب رضى الله، واعتصاماً من معاصيه. انتهى.

وقال الشنقيطي في أضواء البيان: فيه وعد من الله للمتزوج الفقير من الأحرار والعبيد بأن الله يغنيه، والله لا يخلف الميعاد، ثم سرد الآيات التي وعدت بالرزق لمن أطاع الله واتقاه، إلى أن قال: والظاهر أن المتزوج الذي وعده الله بالغنى هو الذي يريد بتزويجه الإعانة على طاعة الله بغض البصر، وحفظ الفرج، كما بينه النبي في الحديث الصحيح: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، وإذا كان قصده بالتزويج طاعة الله بغض البصر، وحفظ الفرج فالوعد بالغنى إنما هو على طاعة الله بذلك. انتهى.
ومما يؤيد هذا المعنى ما رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة مرفوعاً: ثلاثة حق على الله عونهم: الناكح يريد العفاف، والمكاتب يريد الأداء، والغازي في سبيل الله.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني