الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

إعطاء السائل أو رده.. رؤية شرعية

السؤال

ما حكم رد السائل؟ لقوله تعالى "وأما السائل فلا تنهر"
مشكلتي أني لا أردهم بخلا وأنانية، ولكن لأن بعضهم يقتربون بشكل ملفت وأصوات دعائهم عالية ملفتين للانتباه، وانا امرأة بلغ بي الحياء درجة كبيرة ولا أحب أن يراني أحد أتصدق، بطبعي أحب فعل الخير خفية على قدر استطاعتي، ولكن أخاف أن يعاقبني الله لردي لهم.
ومن جهة أخرى تصدقت لفتاة صغيرة ثم جاءت امرأة وأعطيتها مبلغا أكثر من الفتاه وذهبت، ولكن الفتاه تعلقت بي وطلبت أن أعطيها مثل المرأة، أمشي وتمشي بجانبي، لفتت الانتباه هداها الله والناس من حولي ينظرون.
وهذا سبب آخر لردي لهم هو أنه بمجرد أن تفتح حقيبة اليد يبدؤون بالهجوم ولا تستطيع الخلاص.
أنا أتمنى بل أحب الصدقة لكن ما يفعله هؤلاء ينفرني ويجلب لي مشاكل لا أستطيع الخلاص منها، ودائما ما يؤنبني أهلي بأن لا أتصدق لمن في الشارع.
أخاف أن يكون علي ذنب؟
وآخر سبب نفرني من التصدق هو فيديو انتشر لمجموعه تقوم بسرقة الأطفال وإخفائهم حتى يكبروا سنة أو أكثر قليلا، ثم يقومون بقطع أطرافهم بدون تخدير وذلك ليجلبوا عطف الناس حولهم.
فعند مقاطعة الصدقة يخف خطف الأطفال وتعذيبهم.
أفضل أن أشتري لهم طعاما أو ألعابا بدل المال لكي لا يستفيد منه معذبو الأطفال؟
ما رأيكم في الأسباب التي ذكرتها؟
أفتونا بارك الله فيكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فزادك الله حرصا على الخير ورغبة فيه، ثم اعلمي وفقك الله أنه لا يجب إعطاء كل سائل، ولا يأثم المكلف برد السائل ما دام يؤدي ما عليه في ماله من الحق، وإن كان إعطاء السائل من محاسن الأخلاق ومكارم الشيم، وإذا رد الإنسان سائلا فليكن رده رفيقا لينا بغير نهر ولا زجر، وهذا معنى الآية الكريمة، فالآية لا توجب إعطاء السائل ما سأله وإنما تنهى عن زجره ونهره.

قال ابن كثير: قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ أَيْ فَلَا تَكُنْ جَبَّارًا وَلَا مُتَكَبِّرًا وَلَا فَحَّاشًا وَلَا فَظًّا عَلَى الضُّعَفَاءِ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ، وَقَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي رُدَّ الْمِسْكِينَ برحمة ولين. انتهى.

والذي ينبغي لك إن علمت أو غلب على ظنك صدق السائل وأنه محتاج أن تعطيه ولو شيئا يسيرا، وإن علمت أو غلب على ظنك عدم حاجته فلا تعطيه بل انصحيه إن لم يكن في نصحه مفسدة، وبيني أن السؤال مع الغنى من موجبات غضب الرب تعالى، ولا يمنعك الحياء من الإعطاء في محله فإنك تفوتين على نفسك بذلك خيرا.

وقد وجه إلى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى هذا السؤال: هناك حديث نبوي نصه: (للسائل حق ولو أتى على فرس) في مسندأحمد , فهل معنى الحديث: أن السائل إذا أتى ولو كان ظاهره عدم الفقر لابد أن يعطى؟ فأجاب بقوله: أولاً هذا حديث ضعيف لا يصح عن النبي عليه الصلاة والسلام, لكن لا شك أن الإنسان من كرمه أنه إذا سئل لا يرد سائلاً ما لم يسأل محرماً, لقول الله تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج:24-25] وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرد سائلاً عن الإسلام, فمن الأخلاق الفاضلة ألا ترد سائلاً, لكن إذا علمت أن هذا السائل يستكثر بسؤاله فانصحه, وذكره بقول النبي صلى الله عليه وسلم: من سأل الناس أموالهم تكثراً فإنما يسأل جمراً فليستقل أو ليستكثر. انتهى.

وما ذكرته من الأسباب الأخرى لا شك في أن بعضه حق، فقد كثر في زمانا الخداع وانتشر من يسألون الناس مع غناهم، ومن ثم كان التثبت في الإعطاء أمرا حسنا وأن يعطي الإنسان من يعلم أو يغلب على ظنه صدقه.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: لكن بلاءنا في الحقيقة في رد السائل هو أن كثيراً من السائلين كاذبون؛ يسأل وهو أغنى من المسؤول، وكم من إنسان سأل ويسأل الناس ويلحف في المسألة فإذا مات وجدت عنده دراهم الفضة والذهب الأحمر والأوراق الكثيرة من النقود! وهذا هو الذي يجعل الإنسان لا يتشجع على إعطاء كل سائل، من أجل الكذب والخداع، حيث يظهرون بمظهر العجزة وبمظهر المعتوهين والفقراء وهم كاذبون. انتهى.

والمرد في الإعطاء والمنع بحسب العلم أو غلبة الظن كما بينا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني