الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا يجوز الاستشفاء بما ليس سببا شرعيا ولا حسيا

السؤال

عند المرض بعرق النسا، يقصد المرضى شخصا يستطيع شفاءهم حيث يسألهم عن العمر وعدد الأولاد، ووجود أمراض أخرى يعالجونها، ثم ينصح المريض بقلي ذيل شاة بالزبدة وأكله، وعدم الغسل بالصابون ثمانية أيام، ويكتب ذلك في ورقة يحتفظ بها المريض، ثم يرافقه لمنطقة يقطع فيها عشبة بفأس، ويأمر المريض أن يقول قطعت عرق النساء ولم أقطع العشبة باسمها، ويطلب منه العودة بعد أسبوع، وهناك أشخاص كثيرون يمارسون ذلك ويقولون إن الشفاء من الله، وربما قد سبق لهم الحج، والناس يقولون لديهم حكمة عطية من الله يستطيعون بها شفاء مختلف الأمراض، فمنهم من يضع يده أو سكينا أو ينفث على مكان الألم، فما حكم التداوي عندهم؟ وهذا تحت إصرار والدي واشتداد مرضي واعتياد الناس زيارتهم بحجة الحاجة والشفاء؟ أرجو السرعة في الرد بحكم المرض، بارك الله فيكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فهذه الأمور التي ذكرت بعضها قد يكون علاجا، وبعضها يبدو ـ والله أعلم ـ أنه من أعمال الشعوذة والدجل، وإذا كان الأمر كذلك فلا يجوز الذهاب إلى هؤلاء ولا التداوي عندهم بالوجه المذكور، فإن الله تعالى قد جعل الشفاء يحصل بأحد طريقين، إما بالأخذ بالسبب الشرعي من الرقى ونحوها، وإما بالتداوي عن طريق الأسباب الحسية المعروفة، فما لم يكن سببا شرعا ولا حسا لم يجز اعتقاد كونه سببا، وإن اعتقد الشخص أن الشفاء من عند الله، فإن هذا من قبيل الشرك الأصغر، ولذا نهى الشرع عن لبس الحلقة والخيط وتعليق التمائم ونحوها، وإن اعتقد الشخص أن الشفاء والنفع يحصل من عند الله، وذلك لأنها ليست سببا لا شرعا ولا حسا، فإذا عرفت هذه القاعدة العظيمة، وأن كل ما لا يعرف كونه سببا من جهة الشرع أو من جهة الحس لم يجز اعتقاد سببيته تبين لك حكم الذهاب إلى هذا الشخص للتداوي وأنه غير جائز بحال، وهذا مزيد بيان لهذه القاعدة العظيمة ننقله من كلام العلامة ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ للفائدة، قال عليه الرحمة: اعلم أن الدواء سبب للشفاء، والمسبب هو الله تعالى فلا سبب إلا ما جعله الله تعالى سببا، والأسباب التي جعلها الله تعالى أسبابا نوعان:

النوع الأول: أسباب شرعية كالقرآن الكريم والدعاء كما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، في سورة الفاتحة: وما يدريك أنها رقية؟ وكما كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرقي المرضى بالدعاء لهم فيشفي الله تعالى بدعائه من أراد شفاءه به.

النوع الثاني: أسباب حسية كالأدوية المادية المعلومة عن طريق الشرع كالعسل، أو عن طريق التجارب مثل كثير من الأدوية وهذا النوع لا بد أن يكون تأثيره عن طريق المباشرة لا عن طريق الوهم والخيال، فإذا ثبت تأثيره بطريق مباشر محسوس صح أن يتخذ دواء يحصل به الشفاء بإذن الله تعالى، أما إذا كان مجرد أوهام وخيالات يتوهمها المريض فتحصل له الراحة النفسية بناء على ذلك الوهم والخيال ويهون عليه المرض وربما ينبسط السرور النفسي على المرض فيزول، فهذا لا يجوز الاعتماد عليه ولا إثبات كونه دواء، لئلا ينساب الإنسان وراء الأوهام والخيالات ولهذا نُهي عن لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع المرض أو دفعه، لأن ذلك ليس سببا شرعيا ولا حسيا، وما لم يثبت كونه سببا شرعيا ولا حسيا لم يجز أن يجعل سببا، فإن جعله سببا نوع من منازعة الله تعالى في ملكه وإشراك به حيث شارك الله تعالى في وضع الأسباب لمسبباتها، وقد ترجم الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ لهذه المسألة في كتاب التوحيد بقوله: باب من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما لدفع البلاء أو رفعه. انتهى.

هذا وننبهك لأمرين أحدهما: أنه إذا كان الأمر غير مشروع فلا طاعة لمخلوق فيه ولو كان أحد الوالدين إضافة إلى كون ما عند الله من الشفاء لا ينال إلا بما شرع الله تعالى، وسلامة الدين لا يعدلها.

الأمر الثاني: أن مجرد كون الشخص قد حج أو أدى بعض الفرائض لا يقتضي بالضرورة أن كل ما يفعله صوابا موافقا للشرع.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني