الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

شرلاح حديث: كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به

السؤال

ما معنى كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فمعنى الحديث وضحه الإمام ابن رجب في كتابه جامع العلوم والحكم قائلا: المراد بهذا الكلام أنَّ منِ اجتهدَ بالتقرُّب إلى الله بالفرائضِ، ثمَّ بالنوافل، قَرَّبه إليه، ورقَّاه من درجة الإيمان إلى درجة الإحسان، فيصيرُ يَعبُدُ الله على الحضورِ والمراقبة كأنه يراه، فيمتلئُ قلبُه بمعرفة الله تعالى، ومحبَّته، وعظمته، وخوفه، ومهابته، وإجلاله، والأُنس به والشَّوقِ إليه، حتّى يصيرَ هذا الذي في قلبه من المعرفة مشاهداً له بعين البصيرة... إلى أن قال: فمتى امتلأ القلبُ بعظمةِ الله تعالى محا ذلك مِنَ القلب كلَّ ما سواه، ولم يبقَ للعبد شيءٌ من نفسه وهواه، ولا إرادة إلاَّ لما يريدهُ منه مولاه، فحينئذٍ لا ينطِقُ العبدُ إلاّ بذكره، ولا يتحرَّك إلا بأمره، فإنْ نطقَ، نطق بالله، وإنْ سمِعَ، سمع به، وإنْ نظرَ، نظر به، وإنْ بطشَ بطش به، فهذا هو المرادُ بقوله: كنت سمعه الذي يسمعُ به، وبصره الذي يُبصرُ به، ويده التي يبطش بها، ورجلَه التي يمشي بها ـ ومن أشار إلى غير هذا، فإنَّما يُشير إلى الإلحاد مِنَ الحلول، أو الاتِّحاد، والله ورسولُه بريئان منه. انتهى.

وقال العلامة العثيمين في شرحه لرياض الصالحين: فإذا أكثر الإنسان من النوافل مع قيامه بالفرائض، نال محبة الله فيحبه الله، وإذا أحبه فكما يقول الله ـ عز وجل ـ كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها ـ يعني أنه يكون مسدداً له في هذه الأعضاء الأربعة، في السمع، يسدده في سمعه فلا يسمع إلا ما يرضي الله كذلك أيضاً بصره، فلا ينظر إلا إلى ما يحب الله النظر إليه، ولا ينظر إلى المحرم، ولا ينظر نظراً محرماً، ويده، فلا يعمل بيده إلا ما يرضي الله، لأن الله يسدده، وكذلك رجله، فلا يمشي إلا إلى ما يرضي الله، لأن الله يسدده، فلا يسعى إلا إلى ما فيه الخير، وهذا معنى قوله: كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها. وليس المعنى أن الله يكون نفس السمع، ونفس البصر، ونفس اليد، ونفس الرجل ـ حاشا لله ـ فهذا محال، فإن هذه أعضاء وأبعاض لشخص مخلوق لا يمكن أن تكون هي الخالق، ولأن الله تعالى أثبت في هذا الحديث في قوله: وإن سألني أعطيته ولئن استعاذني لأعيذنه ـ فأثبت سائلاً ومسؤولاً، وعائذاً ومعوذاً به، وهذا غير هذا، ولكن المعنى أنه يسدد الإنسان في سمعه وبصره وبطشه ومشيه. انتهى .
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني