الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم من أُجبِر على الزنا وإلا قُتِل

السؤال

في حالة خيرت بين أن أُقتل ـ أن يقتلني أحدهم ـ أو أن أزني وزنيت تفاديا لموتي، فهل هذا الفعل صحيح؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالزنا كبيرة من الكبائر، حرم الله تعالى قربها فضلاً عن فعلها، قال الله تعالى: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً {الإسراء:32}.

وقال تعالى: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ* وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ {النور:30-31}.

وأما من أكره بالقتل على الزنا فإنه لا إثم عليه ولا حد، وذلك لما رواه أصحاب السنن وصححه الألباني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهواعليه.

فإن كان المكره قد تعرض للإكراه بالقتل من قبل ظالم ذي سطوة وقدرة يستطيع تنفيذ وعيده، ولم يملك المُكرَه أي حيلة للخلاص أو المقاومة، فإنه في هذه الحالة يسقط عنه الإثم في الجملة، لأن التكليف لا يكون إلا بما يدخل تحت القدرة، قال القاضي ابن العربي ـ رحمه الله: وقد اختلف الناس في التهديد هل هو إكراه أم لا؟ والصحيح: أنه إكراه، فإن القادر الظالم إذا قال لرجل إن لم تفعل كذا وإلا قتلتك أو ضربتك أو أخذت مالك أو سجنتك، ولم يكن له من يحميه إلا الله، فله أن يقدم على الفعل، ويسقط عنه الإثم في الجملة إلا في القتل، فلا خلاف بين الأمة أنه إذا أكره عليه بالقتل أنه لا يحل له أن يفدي نفسه بقتل غيره، ويلزمه أن يصبر على البلاء الذي ينزل به. اهـ.

وظاهر كلام كثير من أهل العلم تقييد هذا بأن تكون المزني بها غير متزوجة، لأن المتزوجة يتعلق بها حق الغير، وقيل إن الإكراه على الزنى غير معتبر، لأن الانتشار للوطء يفيد أنه غير مكره، فقد قال المواق في التاج والإكيل: الإكراه على الأفعال إن كان يتعلق به حق المخلوق كالقتل والغصب فلا خلاف في أن الإكراه غير نافع في ذلك، وأما في مثل شرب الخمر وأكل الخنزير والسجود لغير الله والزنا بالمرأة التي لا زوج لها وما أشبه ذلك، مما لا يتعلق به حق لمخلوق، فقال سحنون: إن الإكراه في ذلك إكراه. اهـ.

وقال ابن قدامة في المغني: وإن أكره الرجل فزنى، فقال أصحابنا عليه الحد، وبه قال محمد بن الحسن وأبو ثور، لأن الوطء لا يكون إلا بانتشار، والإكراه ينافيه، وقال الشافعي وابن المنذر: لا حد عليه، لعموم الخبر. اهـ.

وقال شيخ الإسلام في الفتاوى الكبرى: وأما الرجل الزاني ففيه قولان في مذهب أحمد وغيره بناء على كون الإكراه هل يمنع من الانتشار أم لا؟.

وراجع الفتوى رقم: 24832.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني