الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يغفر لقاتل نفسه وهل يدعى له ويحج ويتصدق عنه

السؤال

أفتوني جزاكم الله خيرآ 
لي صديق أصيب بحاله نفسية أو مرض المس، ولمدة عامين وهو يعاني  وكان لايتحدث إلى أحد ويحب أن يظل بعزلة لوحده، ومن يومين شرب سما وتوفي. فهل يغفر له الله؟ وهل يجوز أن أحج له وأن أستغفر له وأتصدق إلى روحه، مع العلم أنه كان قبل أن يمرض ملتزما ومطلعا على أمور الشرع والفقه؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فلا شك أن قتل الإنسان نفسه كبيرة من أكبر الكبائر, وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ... وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا ... . رواه البخاري, ولكن هذا الذنب من جملة الذنوب التي هي دون الشرك وصاحبها تحت مشيئة الله تعالى, إن شاء عاقبه وإن شاء غفر له. وقد قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء ... النساء : 48 , وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا للصحابي الذي قتل نفسه دعا له بالمغفرة ورآه أحد الصحابة في المنام أن الله غفر له , ففي صحيح مسلم من حديث جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّه لَمَّا هَاجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ هَاجَرَ إِلَيْهِ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو وَهَاجَرَ مَعَهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ، فَاجْتَوَوْا الْمَدِينَةَ فَمَرِضَ فَجَزِعَ فَأَخَذَ مَشَاقِصَ لَهُ فَقَطَعَ بِهَا بَرَاجِمَهُ فَشَخَبَتْ يَدَاهُ حَتَّى مَاتَ، فَرَآهُ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فِي مَنَامِهِ فَرَآهُ وَهَيْئَتُهُ حَسَنَةٌ وَرَآهُ مُغَطِّيًا يَدَيْهِ فَقَالَ لَهُ: مَا صَنَعَ بِكَ رَبُّكَ فَقَالَ غَفَرَ لِي بِهِجْرَتِي إِلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَا لِي أَرَاكَ مُغَطِّيًا يَدَيْكَ قَالَ قِيلَ لِي لَنْ نُصْلِحَ مِنْكَ مَا أَفْسَدْتَ فَقَصَّهَا الطُّفَيْلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ وَلِيَدَيْهِ فَاغْفِرْ . اهـ.

قال النووي: فِيهِ حُجَّة لِقَاعِدَةٍ عَظِيمَةٍ لِأَهْلِ السُّنَّة أَنَّ مَنْ قَتَلَ نَفْسه أَوْ اِرْتَكَبَ مَعْصِيَة غَيْرهَا وَمَاتَ مِنْ غَيْر تَوْبَةٍ فَلَيْسَ بِكَافِرٍ، وَلَا يُقْطَع لَهُ بِالنَّارِ ، بَلْ هُوَ فِي حُكْم الْمَشِيئَة . اهـ.

فصاحبك أيها السائل إن كان قتل نفسه وهو بكامل قواه العقلية فهو تحت مشيئة الله تعالى إن شاء عاقبه وإن شاء غفر له , ولا مانع من الحج والصدقة عنه والدعاء له بالمغفرة لأنه من جملة المسلمين ونسأل الله تعالى أن يغفر له. وإن كان قتل نفسه وهو فاقد عقله فإنه غير مؤاخذ شرعا.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني