الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

توجيه أحاديث ذم أولاد الزنى

السؤال

هل هذا الحديث صحيح: كل ابن زنى في النار؟ وشكراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلم يرد حديث بهذا اللفظ فيما نعلم، وإنما وردت أحاديث بألفاظ أخرى وفيها ذم لولد الزنا منها: حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولد الزنا شر الثلاثة. رواه أبو داود والطحاوي في مشكل الآثار، والحاكم وأحمد والبيهقي، وزاد قال سفيان: يعني إذا عمل بعمل أبويه. وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي. قال الألباني: وهو كما قالا.

ورويت زيادة سفيان مرفوعة، وحسنها المناوي، وضعفها البيهقي والألباني، وقال الألباني: وهذا التفسير وإن لم يثبت رفعه فالأخذ به لا مناص منه كي لا يتعارض الحديث مع النصوص القاطعة في الكتاب والسنة أن الإنسان لا يؤاخذ بجرم غيره...

وقد روي الحديث عن عائشة رضي الله عنها على وجه آخر لو صح إسناده لكان قاطعاً للإشكال ورافعاً للنزاع، وهو ما روى سلمة بن الفضل عن ابن إسحاق عن الزهري عن عروة قال: بلغ عائشة رضي الله عنها أن أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ولد الزنا شر الثلاثة"، فقالت: يرحم الله أبا هريرة أساء سمعاً فأساء إجابة، لم يكن الحديث على هذا، إنما كان رجل من المنافقين يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: من يعذرني من فلان؟ قيل يا رسول الله، إنه مع ما به ولد زنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هو شر الثلاثة"، والله عز وجل يقول: (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) أخرجه الطحاوي والحاكم وعنه البيهقي وضعفه بقوله سلمة بن الفضل الأبرشي يروي مناكير قلت - الألباني - وقال الحافظ : صدوق كثير الخطأ، وفيه علة أخرى وهي عنعنة ابن إسحاق فإنه مدلس، ومع ذلك فقد قال الحاكم صحيح على شرط مسلم، ورده الذهبي بقوله: كذا قال.

وسلمة لم يحتج به مسلم، وقد وثق. وضعفه ابن راهويه قلت - الألباني -: وكذلك ابن إسحاق لم يحتج به مسلم، وإنما روى له متابعة على أنه مدلس وقد عنعنه. اهـ. كلام الألباني.

ومن الأحاديث في ذم ولد الزنا حديث: لا يدخل الجنة ولد زنية. رواه الدرامي والنسائي وعبد الرزاق في (المصنف)، وابن حبان، وغيرهم، وهو حديث ضعيف سنداً ومنكر متناً، ولمزيد الفائدة عنه تراجع الفتوى: 4895.

وعلى كل حال، فالأحاديث الواردة في ذم ولد الزنا - على تقدير صحتها - لا تعم كل ولد زنا، وقد تأول العلماء هذه الأحاديث بتأويلات.

أما حديث: ولد الزنى شر الثلاثة. فالمقصود به: ولد زنى بعينه، وهو الرجل الذي كان يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم، كما سبق ذلك في قول عائشة رضي الله عنها، أو أنه الذي يعمل بعمل أبويه، كما نقل عن سفيان وغيره، أو أنه شر الثلاثة نسباً، فإنه لا نسب له.

وأما حديث: لا يدخل الجنة ولد زنية. فالمقصود به من أكثر من الزنا حتى نسب إليه، قال الطحاوي: فكان ما في هذا الحديث - لا يدخل الجنة ولد زنية -عندنا - والله أعلم-: أريد به من تحقق بالزنا حتى صار غالباً عليه فاستحق بذلك أن يكون منسوباً إليه، فيقال: هو ابن له، كما ينسب المتحققون بالدنيا إليها، فيقال لهم: بنو الدنيا لعملهم لها وتحققهم بها وتركهم ما سواها، وكما قد قيل للمتحقق بالحذر: ابن الحذار، وللمتحقق بالكلام: ابن الأقوال، وكما قيل للمسافر ابن سبيل.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني