الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الحسبة...أركانها وآدابها ومراتبها

السؤال

أرجو من سيادتكم أن تشرحوا لنا ما معنى الحسبة في الإسلام..ولكم جزيل الشكر

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

الحُسبة لغة: مشتقة من الاحتساب وهو طلب الأجر كما في الحديث: من صام رمضان إيماناً واحتساباً. أي طلب الأجر من الله تعالى.
أما في الاصطلاح فهي "أمر بالمعروف إذا ظهر تَرْكُه، ونهي عن المنكر إذا ظهر فعله".
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أعم من الحسبة، فيؤمر بالمعروف وإن لم يترك، وينهى عن المنكر وإن لم يرتكب، كما يفعل الخطباء والعلماء من الحث على فعل الخيرات وترك المنكرات، فتكون الحسبة أخص من حيث إنها تتعلق بالمعروف الذي ترك، والمنكر الذي فعل.
وأركان الحسبة هم:
1) مُحتسب 2) مُحتسَب عليه 3) مُحتسَب فيه 4) احتساب.
فالمحُتسب هو من يقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يشترط فيه إذن من ولي الأمر"السلطان" فكل مسلم مأمور بتغيير المنكر: من رأى منكم منكراً فليغيره. ونقل القرطبي الإجماع على أن المنكر واجب تغييره على كل من قدر عليه، ثم إن من الحسبة، الحسبة على السلاطين، فكيف يُطلب منهم الإذن للاحتساب عليهم؟!
ولكون المحتسب يُرجى له الحصول على أجر الاحتساب شروط نذكر منها ما لا بد منه: وهو الإسلام وإخلاص النية والمتابعة..أي متابعة النبي صلى الله عليه وسلم في الاحتساب. ومنها: العلم بما يأمر به وينهى عنه، وبأحوال المأمور والمنهي والملابسات وظروف المنكر. ومنها: القدرة على التغيير من اليد إلى اللسان إلى القلب الذي لا يُعفى منه أحد.
وهناك آداب للمحتسب من أهمها: الرفق في الاحتساب ووضعه في موضعه، ومن الآداب: البدء بالنفس، والبدء بالأهم، ومراعاة سنة التدرج، والموازنة بين المصالح والمفاسد، والصبر واحتمال الأذى، والسعي لإيجاد البدائل الإسلامية للمنكرات المراد إزالتها.
المحتسب عليه: هو من يؤمر بالمعروف ويُنْهى عن المنكر، ومن شروطه، أن يكون بصفة يصير الفعل الممنوع منه في حقه منكراً؛ وإن لم يكن معصية يحاسب عليها ديانة، فكل من الصبي والمجنون والناسي والجاهل يمنع من المنكر، وإن لم يكن مؤاخذاً به شرعاً عند الله. والمحتسب عليهم يختلفون باختلاف حالهم في القرابة والبعد والقوة والشوكة ودخولهم في الإسلام وغير ذلك. ولكل واحد منهم أحكام ومباحث لا يتسع المجال لتفصيلها.
المحُتسب فيه: هو المنكر الموجود الظاهر للمحتسب بغير تجسس، ويكون مما يعلم أنه منكر بغير اجتهاد، ومن شروطه: أن يكون موجوداً في الحال هو أو مقدماته، أما ما فات فليس فيه إلا النصح، وأن يكون ظاهراً يراه المحُتسب أو يسمعه أو ينُقل له نقلاً موثوقاً، كل ذلك بدون تجسس، ومن شروطه: أن لا يكون مما اختلف فيه من مسائل الاجتهاد اختلافاً معتبراً، فلا إنكار في مسائل الاجتهاد.
الاحتساب: وهو القيام بالحسبة: وهو مراتب ولكل مرتبة شروط.
الأولى: التغيير باليد وهي أقوى مراتب الحسبة، ومن أهم شروطها: القدرة وعدم ترتب مفسدة أكبر من الاحتساب.
المرتبة الثانية: التغيير باللسان، وإنما ينتقل إليها إذا عجز عن اليد.
المرتبة الثالثة: الإنكار بالقلب، وهذا لا رخصة لأحد في تركه، بل يجب أن يكون بعض المنكر وكراهيته في قلب كل مسلم، فآخر حدود الإيمان هو الإنكار بالقلب.
وحقيقة الإنكار بالقلب، عدم الرضا بالمنكر ومفارقته والنفور منه.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني