الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الصلاة من أفضل ما يتطوع به والذكر داخلها أفضل منه خارجها

السؤال

بدأت أميل إلى أن الأفضل أن يشغل العابد أوقاته كلها بالذكر، وفكرت في الصلاة فوجدت أن القراءة والتسبيح في الصلاة أعوضه خارج الصلاة وأنا جالس بقراءة الإخلاص التي تعدل ثلث القرآن، فكيف لو أكثرت منها وكررتها؟ وأما السجود والركوع الذي يعدل رفع درجة وحسنة ومحو سيئة فأعوضه خارجها بالصلاة على الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم التي تعدل عشر حسنات ومحو عشر سيئات ورفع عشر درجات هذا كله مرة واحدة، فكيف لو كررتها مرارا، وأما أجر الصلاة: فهذا أناله بحلوسي في البيت وأنا منتظر للصلاة معلق قلبي بها حيث يكون لي أجر المصلي كما قال النبي صلى الله عليه وسلم والعلماء كابن بطال وغيره: أن كثرة السجود حاصل بالمواظبة على النوافل الثابتة، وبهذه الطريقة يظهر أنني لو جلست في البيت أذكر الله أفضل لي من أن أشتغل بالصلاة بسبب ما ذكرت لكم، فما حكم الشرع في ما ذكرت؟ وهل كلامي صحيح وتفكيري صحيح؟ وإن لم أكن مصيبا فردوا على كلامي وبينوا لي وانصحوني، وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فكلامك هذا وفهمك الذي فهمته غير صحيح بلا شك، وحاصل ما ذكرته أن غير الصلاة كالذكر خارجها وانتظار الصلاة يمكن أن يعوض به ثواب الصلاة ويقوم مقامها، وهذا خطأ عظيم، فإن الصلاة هي أفضل تطوعات البدن إما مطلقا وإما بعد الجهاد أو بعده مع العلم كما وقع الخلاف في أفضل التطوعات بين أهل العلم، والصلاة مشتملة على جمل من العبادات، وهي متضمنة للذكر والقراءة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك كانت أفضل من غيرها من التطوعات وكانت قرة عين النبي صلى الله عليه وسلم، قال القاري: قال الْعُلَمَاءُ: إَنَّ الصَّلَاةَ أَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ بَعْدَ الشَّهَادَتَيْنِ وَيُوَافِقُهَ الْخَبَرُ الصَّحِيحُ: الصَّلَاةُ خَيْرُ مَوْضُوعٍ، أَيْ: خَيْرُ عَمَلٍ وَضَعَهُ اللَّهُ لِعِبَادِهِ، لِيَتَقَرَّبُوا إِلَيْهِ به.

وقال العلامة ابن قاسم في حاشية الروض: أفضل التطوعات بعد الجهاد والعلم الصلاة، لترادف الأخبار ومداومة المختار صلى الله عليه وسلم وقال: استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة ـ وغير ذلك، ولأنها آكد الفروض، فتطوعها آكد التطوعات، ولأنها تجمع أنواعا من العبادة، الإخلاص والقراءة، والركوع والسجود ومناجاة الرب تبارك وتعالى، والذل والخضوع له، الذي هو أشرف مقامات العبودية والتسبيح والتكبير والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وغير ذلك. انتهى.

وما في الصلاة من القراءة وكذا الذكر والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أفضل مما يقع خارجها، فهي مع اشتمالها على القراءة والذكر فإن أجره فيها أتم، قال النووي: اعلم أن أفضل القراءة ما كان في الصلاة. انتهى.

ولو طفقنا نتتبع الأدلة على فضل الصلاة وعظم منزلتها من الدين لطال ذلك جدا، وقد صنفت في هذا الباب مصنفات منها: تعظيم قدر الصلاة لمحمد بن نصر المروزي ـ رحمه الله ـ وغيره، وينصح بمطالعة كتاب: لماذا نصلي؟ للشيخ محمد بن إسماعيل المقدم، وما ذكرته من الأدلة على فضل الذكر أو الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أو انتظار الصلاة لا نزاع فيه، وهو يدل على فضل تلك العبادات لا على أنها تقوم مقام الصلاة ويستغنى بها عنها، فأكثر من الصلاة ما أمكنك ذلك، فإن التطوع بها هو أفضل التطوع، وهو من أعظم ما يتقرب به إلى الله تعالى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني