الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أسباب تفرق ذرية إبراهيم إلى أديان وقوميات مختلفة

السؤال

إن محمدا صلى الله عليه وسلم عربي، ونبي الله موسى يهودي، وعيسى نصراني، فكيف اختلفت قومياتهم رغم جدهم الواحد إبراهيم عليه السلام؟ وشكراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فننبهك أولا إلى أن كتابة الحرف: ص ـ أو ما أشبهه من الرموز غير مشروع، كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 7334.

كما نريد التنبيه ثانيا إلى أن قول السائل: إن محمدا صلى الله عليه وسلم عربي ونبي الله موسى يهودي وعيسى عليه السلام نصراني ـ ثم يسأل بعد ذلك عن سبب اختلاف قومياتهم رغم أن جدهم واحد هو إبراهيم عليه السلام، فيه نوع من الخلط بين مفهوم الدين ومفهوم القومية، فكان الأولى أن تسأل كيف اختلفت أديانهم؟ وعلى أية حال فإن هؤلاء الأنبياء الثلاثة الكرام من ذرية إبراهيم عليه السلام، ومسألة الانتساب إلى رجل واحد أو الرجوع إلى أصل معين لا يلزم منه اتفاق ذرية هذا الرجل وعدم تفرق فروعه إلى قوميات متفرقة أو ديانات مختلفة، فأمم الأرض وشعوبها كلها ترجع في نسبها إلى أب واحد، ولكنهم اختلفوا وانقسموا إلى شعوب وقوميات، وسبب هذا الاختلاف منه ما هو طبيعي كالبعد الزمني والتفرع النسبي والتباعد الجغرافي والاختلاف البيئي والاجتماعي، ومنه ما هو ديني سببه الجهل بدين الله الحق والانحراف عن وحي السماء وهدي الأنبياء، وهذا هو السبب الأساسي في الاختلاف، فقد قال الله تعالى: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ {البقرة:213}.

قال أهل التفسير: كان الناس ـ بنو آدم في القرون الأولى بين آدم ونوح وهي عشرة مجتمعين على دين واحد هو دين الحق والتوحيد حتى اختلفوا فدخلهم الشرك وآمن بعضهم وكفر بعضهم، فبعث الله نوحاً فمن بعده من النبيين مبشرين بالثواب من أطاع ومنذرين بالعقاب من عصى.

وهو ما وقع بعد ذلك لذرية إبراهيم عليه السلام حين انحرفت عن دين الآباء إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب فأرسل الله إليهم موسى ـ عليه السلام ـ فآمن به من آمن منهم فسموا يهودا، قيل لأنهم هادوا إلى الله ورجعوا إلى دين الأنبياء، وبعد ذلك بمدة انحرف هؤلاء اليهود أيضا عن دين الأنبياء فبعث الله إليهم عيسى ـ عليه السلام ـ فآمن به من آمن منهم، فقيل أيضا سموا نصارى، لأنهم نصروا نبي الله عيسى واتبعوا دين الأنبياء، وبعد فترة من الرسل وانحراف من البشرية كلها عن دين الله الذي جاء به الأنبياء السابقون أرسل الله محمدا صلى الله عليه وسلم من ذرية إسماعيل بن إبراهيم ـ جد العرب المستعربة في الحجاز ـ خاتما للأنبياء إلى الناس كافة فآمن به من آمن من العرب ومن القوميات الأخرى، وأتباعه يسمون مسلمين ـ بغض النظر عن قومياتهم ـ وكفر به من كفر منهم ومن غيرهم، قال الله تعالى: وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ {البقرة:253}.

قال أهل التفسير: والاقتتال ناشئ عن اختلافهم اختلافاً عظيماً حتى صاروا مللاً مختلفة منهم من آمن ومنهم من كفر.

ولذلك، فالأنبياء المذكورون وغيرهم من أنبياء الله دينهم واحد لم يختلفوا، وإنما كان اختلاف من يدعون اتباعهم والانتساب إليهم ـ أو من سميته قومياتهم ـ بسبب جهلهم لوحي السماء وهدي الأنبياء وانحرافهم عن دين الله الحق الذي توالت رسل الله للدعوة إليه بداية بآدم وانتهاء بمحمد صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني