الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حق الزوج على زوجته أعظم من حقها عليه

السؤال

هل توجب العلاقة الزوجية طاعة الزوج للزوجة كما توجب طاعة الزوجة للزوج؟ أم ينبغي التزام الزوجة بطاعة الزوج فقط ولا يصح العكس؟ بمعنى آخر هل على الزوج أن يطيع زوجته فيما يخص النفقة اليومية عليها وعلى العائلة؟ علما بأنه على حد الاتفاق الذي وصلت إليه أنا وخطيبتي قبل إتمام تراتيب الزواج أنني أكدت لها أن على الزوجة طاعة زوجها في كل شيء يهمها ومع العلم أنني اعتقدت في نفس الوقت أنه ليس على الزوج طاعة زوجته في أي أمر، ولكن ردت علي بأنه ينبغي علي توفير المال وتسديده لأقوم أنا بدوري بشراء لوازم العيش من كساء وغذاء وما نحتاجه في الأوقات العصيبة مثل الدواء إن مرض أحدنا فشككت في صحة كلامها في كون الزوج عليه توفير المال للنفقة وتصرف الزوجة في تدبير هذا المال وإخراجه في أمور المعاش، وسؤالي هو: وضحوا لي صورة العلاقة الزوجية وكيف تكون طاعة الزوجة للزوج في مثل هذا السياق؟ وهل على الزوج أن يرجع الأمر كله إليه حتى في إخراج المال وكيفية إخراجه وعلى الزوجة الامتثال والطاعة؟ وهل يحق في الإسلام للزوجة أن تشارك زوجها في كل شيء حتى في مصارف الأموال التي تصرف في الأكل والشرب واللباس وضروريات المعاش بالصورة التي ذكرتها؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالعلاقة الزوجية تقتضي العشرة بالمعروف بين الزوجين، كما قال الله تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ { سورة البقرة: 228}.

جاء في الموسوعة الفقهية: مَعْنَى الْعِشْرَةِ بِالْمَعْرُوفِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا الأْزْوَاجَ فِي قَوْله تَعَالَى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ـ هُوَ: أَدَاءُ الْحُقُوقِ كَامِلَةً لِلْمَرْأَةِ مَعَ حُسْنِ الْخُلُقِ فِي الْمُصَاحَبَةِ، وَقَال الْجَصَّاصُ: وَمِنَ الْمَعْرُوفِ أَنْ يُوَفِّيَهَا حَقَّهَا مِنَ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ وَالْقَسْمِ، وَتَرْكِ أَذَاهَا بِالْكَلاَمِ الْغَلِيظِ، وَالإْعْرَاضِ عَنْهَا، وَالْمَيْل إِلَى غَيْرِهَا، وَتَرْكِ الْعَبُوسِ وَالْقُطُوبِ فِي وَجْهِهَا بِغَيْرِ ذَنْبٍ, قَال ابْنُ قُدَامَةَ: قَال بَعْضُ أَهْل الْعِلْمِ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى: وَلَهُنَّ مِثْل الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ـ التَّمَاثُل هَاهُنَا فِي تَأْدِيَةِ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا عَلَيْهِ مِنَ الْحَقِّ لِصَاحِبِهِ، وَلاَ يَمْطُلُهُ بِهِ، وَلاَ يُظْهِرُ الْكَرَاهَةَ، بَل بِبِشْرٍ وَطَلاَقَةٍ، وَلاَ يُتْبِعُهُ أَذًى وَلاَ مِنَّةً، لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ـ وَهَذَا مِنَ الْمَعْرُوفِ، وَيُسْتَحَبُّ لِكُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَحْسِينُ الْخُلُقِ مَعَ صَاحِبِهِ وَالرِّفْقُ بِهِ وَاحْتِمَال أَذَاهُ. اهــ.

ولا يلزم الزوج طاعة زوجته في كل شيء، وإنما في إعطائها حقوقها من المهر والنفقة في المأكل والمشرب والملبس والمسكن, وإعفافها بالوطء والمبيت عندها والقسم لها إن كان له أكثر من زوجة، ولا يجب عليك في النققة الواجبة في المأكل والمشرب والملبس أن تدفع لها النقود لتشتري وتتولى هي تدبير البيت، بل لك أن تتولى أنت تدبير البيت بالمعروف وليس من حقها المطالبة بذلك, وإنما الواجب عليك أن تحضر لها الطعام والشراب, جاء في الإنصاف للمرداوي: وَعَلَيْهِ دَفْعُ النَّفَقَةِ إلَيْهَا فِي صَدْرِ نَهَارِ كُلِّ يَوْمٍ.... وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ـ رَحِمَهُ اللَّهُ ـ لَا يَلْزَمُهُ تَمْلِيكٌ، بَلْ يُنْفِقُ وَيَكْسُو بِحَسَبِ الْعَادَةِ، فَإِنَّ الْإِنْفَاقَ بِالْمَعْرُوفِ لَيْسَ هُوَ التَّمْلِيكُ.... وَإِنْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا دَفْعَ الْقِيمَةِ: لَمْ يَلْزَمْ الْآخَرَ ذَلِكَ بِلَا نِزَاعٍ. اهــ مختصرا .

وأما نفقة العلاج: فجمهور أهل العلم على أنه لا يجب على الزوج نفقة علاج زوجته، كما بيناه في الفتويين رقم: 49804 ورقم: 18627.

ومن العلماء من يوجبه على حسب العرف، فما جرت العادة به من الدواء أن يكون على الزوج فهو على الزوج وما لم تجر العادة به فليس على الزوج، وهذا اختيارابن عثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ ولا ينبغي للزوجة أن تبدأ حياتها الزوجية بالمشاحة والمطالبة بما ليس لها وإيهام الزوج أنه من حقها عليه، فهذا أدعى أن لا تستمر الحياة الزوجية معه, وعليها أن تطيع زوجها بالمعروف، فإن حقه عليها أعظم من حقها عليه، لقول الله تعالى: وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ {البقرة:228}.

جاء في الموسوعة الفقهية: قَال الْجَصَّاصُ: أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الآْيَةِ أَنَّ لِكُل وَاحِدٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ عَلَى صَاحِبِهِ حَقًّا، وَأَنَّ الزَّوْجَ مُخْتَصٌّ بِحَقٍّ لَهُ عَلَيْهَا لَيْسَ لَهَا عَلَيْهِ, وَقَال ابْنُ الْعَرَبِيِّ: هَذَا نَصٌّ فِي أَنَّهُ مُفَضَّلٌ عَلَيْهَا مُقَدَّمٌ فِي حُقُوقِ النِّكَاحِ فَوْقَهَا وَلِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لأِحَدٍ لأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا. اهــ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني