الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ليس هناك شيء يسبق القدر

السؤال

ورد عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله: لَهُ مُعَقِّبَات مِنْ بَيْن يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفه يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْر اللَّه ـ وَالْمُعَقِّبَات مِنْ اللَّه هِيَ الْمَلَائِكَة، وَقَالَ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس: يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْر اللَّه ـ قَالَ مَلَائِكَة يَحْفَظُونَهُ مِنْ بَيْن يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفه، فَإِذَا جَاءَ قَدَر اللَّه خَلَوْا عَنْهُ، وَقَالَ مُجَاهِد مَا مِنْ عَبْد إِلَّا لَهُ مَلَك مُوَكَّل يَحْفَظهُ فِي نَوْمه وَيَقَظَته مِنْ الْجِنّ وَالْإِنْس وَالْهَوَامّ، فَمَا مِنْهَا شَيْء يَأْتِيه يُرِيدهُ إِلَّا قَالَ لَهُ الْمَلَك: وَرَاءَك إِلَّا شَيْء أَذِنَ اللَّه فِيهِ فَيُصِيبهُ ـ والسؤال: هل يعني الحديث أنه لولا الملائكة الحفظة لأصيب ابن آدم بأمر لم يقدره الله عليه؟ ولو كان كذلك, فكيف يستقيم مع أن الله هو خالق أفعال العباد؟ وهل هناك أمور تسبق القدر لولا الحفظة من الملائكة؟ أفتونا بالتفصيل مأجورين.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن كل ما يجري في هذا الكون هو بقضاء الله وقدره، كما قال الله تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ {القمر:49}

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: كل شيء بقدر حتى العجز والكيس. رواه مسلم.

فلا يصيب الإنسان إلا ما قدر الله، فقد قال تعالى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا {الحديد: 22}

ولن يستطيع أي أحد من الناس أو الجن أو الهوام أن يلحق ضرراً بأحد ولا نفعاً إلا إذا كان قد كتبه الله له، كما في حديث الترمذي: واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك.

وليس هناك شيء يسبق القدر، ففي حديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: العين حق، ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين. رواه مسلم.

فإذا تقرر هذا فقد ثبت أن هناك حفظة من الملائكة، يحرسون العباد ـ بإذن الله ـ وقدره مما لم يقدر الله إصابة العبد به، فإذا قدر الله أن يصاب العبد بشيء فلا تستطيع الملائكة دفعه، فإذا أراد إنسي أو جني أو حيوان إيذاء أحد من الناس فإن الملائكة يذودون عنه ويحمونه، فإذا جاءه ما قدر الله إصابته به خلوا بين العبد وبين ما قدر الله ولا يستطيعون حمايته، فقد قال الله تعالى: وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ {الرعد:11}.

وقال تعالى: قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا {الأحزاب:17}.

وقال تعالى: قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا {الفتح:11}.

قال الهيتمي: أخرج أبو الشيخ عن السدي في قوله تعالى: لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ { الرعد: 11} قال: ليس من عبد إلا له معقبات من الملائكة من بين يديه ملكان يكونان معه في النهار فإذا جاء الليل أصعدا وأعقبهما ملكان فكانا معه ليلته حتى يصبح يحفظونه من بين يديه ومن خلفه ولا يصيبه شيء لم يكتب إذا غشيه شيء من ذلك دفعاه عنه، ألم تره يمرّ بالحائط فإذا جاز سقط، فإذا جاء الكتاب خلوا بينه وبين ما كتب له وهم من أمر الله أمرهم أن يحفظوه.

وأخرج أبو داود في القدر وابن أبي الدنيا وابن عساكر عن علي أيضاً قال: لكل عبد حفظة يحفظونه لا يخر عليه حائط أو يتردى في بئر أو تصيبه دابة حتى إذا جاءه القدر الذي قدّر له خلت عنه الحفظة فأصابه ما شاء الله أن يصيبه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني