الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

صلاة النوافل في المساجد الثلاثة أفضل أم في البيت

السؤال

قال النبي صلى الله عليه وسلم: صلاة الرجل في بيته أفضل من صلاته في مسجدي إلا المكتوبة، وقال صلى الله عليه وسلم: صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة ـ فهل هذا يدل على أنني إذا صليت النوافل في البيت تكون صلاتي مضاعفة بأفضل من ألف صلاة مع أنني في المغرب؟ وهل صلاتي للنافلة في بيتي مضاعفة بأفضل من ألف صلاة أيضا؟ اشرحوا لي وأفيدوني جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فليس الأمر على ما توهمته من كون صلاتك النافلة في بيتك خيرا من ألف صلاة صحيحا، بل صلاتك النافلة في بيتك خير وأفضل من صلاتها في المسجد، ومقدار هذا الفضل لا يعلمه إلا الله، وأما كون الصلاة في مسجده صلى الله عليه وسلم تضاعف على الصلاة في غيره بألف صلاة فقد حمله بعض العلماء على الفرائض، وهو قول الحنفية والمالكية على الصحيح والحنابلة، كما في الموسوعة الفقهية، جاء في الموسوعة: أما في صلاة النفل فيرى الحنفية والمالكية ـ على الصحيح ـ والحنابلة: أن الأفضلية ومضاعفة الثواب الواردة في الحديث خاصة بالفرائض دون النوافل، لأن صلاة النافلة في البيت أفضل وأقرب إلى الإخلاص وأبعد عن الرياء، لقوله صلى الله عليه وسلم: صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة. انتهى.

ورجحه الشيخ ابن عثيمين وزاد إلحاق النوافل التي يشرع فعلها في المسجد، قال رحمه الله: فإن قال قائل: هل هذا التفضيل في صلاة الفريضة والنافلة؟ فالجواب: أن فيه تفصيلاً فالفرائض لا يستثنى منها شيء، وأما النوافل فما كان مشروعاً في المسجد، شمله هذا التفضيل كقيام رمضان وتحية المسجد، وما كان الأفضل فيه البيت، ففعله في البيت أفضل كالرواتب ونحوها. انتهى.

ومن ذهب إلى العموم من العلماء كمطرف من المالكية وهو قول الشافعية فإنهم قالوا إن صلاة النافلة في المسجد تضاعف، ومع ذا فصلاته في بيته أفضل، ولا يلزم من التفضيل كثرة الثواب، قال في مغني المحتاج: وَأَفْضَلُهُ أَيْ: الِانْتِقَالِ لِلنَّفْلِ مِنْ مَوْضِعِ صَلَاتِهِ إلَى بَيْتِهِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ، فَإِنَّ أَفْضَلَ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ ـ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَسَوَاءٌ فِي هَذَا الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ وَمَسْجِدُ الْمَدِينَةِ وَالْأَقْصَى وَغَيْرُهَا، لِعُمُومِ الْحَدِيثِ، وَالْحِكْمَةُ فِيهِ بُعْدُهُ مِنْ الرِّيَاءِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَثْرَةِ الثَّوَابِ التَّفْضِيلُ. انتهى.

ومن العلماء من قال بالعموم ذاهبا إلى أن النافلة في البيوت بمكة والمدينة أفضل من فعلها في المسجدين ولا ينافي هذا أن تكون في المسجدين أفضل منها في غيرهما سوى بيوت مكة والمدينة، قال الحافظ في الفتح: واستدل به على تَضْعِيفِ الصَّلَاةِ مُطْلَقًا فِي الْمَسْجِدَيْنِ وَقَدْ تَقَدَّمَ النَّقْلُ عَنِ الطَّحَاوِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ ذَلِكَ مُخْتَصٌّ بِالْفَرَائِضِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَفْضَلُ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَا مَانِعَ مِنْ إِبْقَاءِ الْحَدِيثِ عَلَى عُمُومِهِ فَتَكُونُ صَلَاةُ النَّافِلَةِ فِي بَيْتٍ بِالْمَدِينَةِ أَوْ مَكَّةَ تُضَاعَفُ عَلَى صَلَاتِهَا فِي الْبَيْتِ بِغَيْرِهِمَا وَكَذَا فِي الْمَسْجِدَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ فِي الْبُيُوتِ أَفْضَلَ مُطْلَقًا. انتهى.

وحاصله ما قدمناه من أن من كان بمكة والمدينة فالأولى له أن يصلي النافلة في بيته، وصلاته في بيته أفضل من صلاته في المسجد، وهو لو صلى في المسجد حصلت له المضاعفة المذكورة أيضا وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والحاصل أن ما فهمته من مجموع النصين غير سديد.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني