الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

توضيحات حول طريقة الحميدي في كتابه الجمعبين الصحيحين

السؤال

كتاب الجمع بين الصحيحين ـ البخاري ومسلم ـ تأليف: محمد بن فتوح الحميدي، أبو عبد الله الحميدي: محمد بن فتوح بن عبد الله الأزدي الحميدي، سمع من ابن عبد البر وابن حزم والباجي، وسمع بدمشق وغيرها من مدن المشرق، كان ورعا ثقة إماما في علم الحديث وعلله ومعرفة متونه وروايته، صاحب: جذوة المقتبس ـ وغيرها، توفي في العام 488 هـ، نفخ الطيب: 2/ 112ـ 115، رقم: 63، وبغية الملتمس: 123 رقم: 257، قال ابن عساكر: وكان يواظب على سماع الحديث وكتابته يخرجه مع تحرير وصيانة وورع وديانة، قال الذهبي عن الكتاب: ورتبه أحسن ترتيب، وقد اعتمد ابن الأثير في جامعه على هذا الجمع فقال: واعتمدت في النقل من كتابي البخاري ومسلم على ما جمعه الامام الحميدي فإنه أحسن في ذكر طرقه واستقصى في إيراد رواياته وإليه المنتهى في جمع هذين الكتابين، وقال شيخ شيخ الإسلام أبو حفص البلقيني في محاسن الاصطرح: وفي الجمع بين الصحيحين للحميدي تتمات لا وجود لها في الصحيحين، قال الشيخ عبدالكريم الخضير حفظه الله عنه: كتاب الحُميدي كتابٌ جميل ونفيس طُبع أخيراً إلاَّ أنَّهُ أحياناً لا أقول دائماً لا ينقل من الصَّحيحين مُباشرة، بل قد يعتمد على المُسْتَخْرَجَات، ولذا تجدُ في ألفاظِهِ ما يُخالف ما في الصَّحيحين أحياناً، مع أنَّهُ يُبيِّن ويُميِّز اللَّفظ الذِّي في الصَّحيحين، لكنَّهُ ليس على قاعدة مُضْطَرِدَة، قد يَفُوتُهُ بعضُ الشَّيء ـ والسؤال: بما أن ابن الأثير اعتمد في جامعه على هذا الجمع, فهل ابن الأثير استدرك على ألفاظ الجمع بين الصحيحين أي بمعنى أنه ينقل مباشرة من الصحيحين؟ وهل صاحب كتاب جمع الفوائد من جامع الأصول ومجمع الزوائد المؤلف: محمد بن سليمان المغربي استدرك ذلك إن كان ذلك قد فات ابن الأثير، الرجاء الجواب للأهمية.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد صرح ابن الأثير في خطبة كتابه بأنه اعتمد في النقل من كتابي البخاري ومسلم على ما جمعه الإمام أبو عبد الله الحُميدي ـ كما نقل الأخ السائل ـ ولكن جاء في بقية كلامه: وعولت في المحافظة على ألفاظ البخاري ومسلم أكثر من غيرهما من باقي الأئمة الأربعة، اللهم إلا أن يكون في غيرهما زيادة أو بيان أو بسط، فإنني أذكرها، وإن كان الحميدي قد أغفل شيئاً وعثرت عليه، أثبته من الأصول، وتتبعت الزيادات من جميع الأمهات، وأضفتها إلى مواضعها. اهـ.

فهذا الكلام يدل على عناية ابن الأثير بالرجوع للأصول، وتتبع الزيادات من جميع الأمهات، فيحتمل أنه اختار من كتاب الحميدي ما هو منقول من الصحيحين فقط، وقد علق محقق الكتاب الشيخ عبد القادر الأرنؤوط على هذا الموضع فقال: ذكر العلماء بأن الحميدي لم يقتصر في كتابه على ذكر ألفاظ الصحيحين، بل أتى فيه بزيادات صرح بأنها من كتب المستخرجين عليهما، ولعل المؤلف ينقل عنه ما كان منسوباً إلى الشيخين ـ البخاري ومسلم ـ أو أحدهما، دون ما زاده من كتب المستخرجين وغيرها، فقد تتبع في غير ما حديث، فوجد كما ذكرنا. اهـ.

وقد سبق إلى ذلك الأمير الصنعاني في توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار، فقال: قد راجعت جامع الأصول لابن الأثير وفروعه في كتاب الحج فوجدته قد ساق الرواية التي نسبها الحميدي إلى البخاري مقتصرا عليها، ونسبها إلى البخاري ولم يأت بحرف من زيادة البرقاني، وكذلك فروع الجامع صنعوا صنيعه من الاقتصار والعزو، ثم راجعتها في باب حج الصبي فم أجدهم ذكروا زيادة البرقاني، ولعل من تتبع الجامع لم يجده ينقل من كتاب الحميدي إلا ألفاظ الشيخين لا غير، وحذف ما فيه من الزيادات التي زادها من غيرهما، ومعلوم أنه حيث قد ميز الحميدي الزيادات وعزاها إلى من رواها أنه لا يأتي ابن الأثير وينقل الأصل والزيادة وينسبها معا إلى الشيخين، فإن هذا ما يفعله عالم ولا تقي، بل ولا عاقل، نعم كان على ابن الأثير أن يقول في خطبة الجامع حيث قال: واعتمدت في النقل عن البخاري ومسلم على ما جمعه الإمام أبو عبد الله الحميدي في كتابه إلا أني اقتصرت على لفظهما وحذفت ما زاده من غيرهما، ليندفع الوهم الذي يأتي للمصنف ـ يعني ابن الوزير في تنقيح الأفكار ـ في التنبيه. اهـ.

وذلك أن ابن الوزير قد قال: تنبيه: حكم ما نقله أبو السعادات المبارك بن محمد بن عبد الكريم ابن الأثير في جامع الأصول عن البخاري ومسلم حكم ما نقله الحميدي. اهـ.

وقد تبع ابن الوزير في ذلك ابنَ الصلاح والعراقيَّ، ولكن قد تعقبه الصنعانيُّ بما ذكرنا، وذكر من تقرير الحافظ ابن حجر وتحقيقه ما يؤيد ذلك، ثم قال: قد قدمنا لك من التحقيق ما يزيل هذا الإشكال، فإن ابن الأثير قال: إنه اعتمد في نقل الصحيحين على كتاب الحميدي، ولم يقل: نقل كتاب الحميدي، ولا إشكال بعد تقرر ما نقلناه عن ابن حجر وما نقلناه من المثال واقتصار ابن الأثير فيه على كلام البخاري، ومن له همة تتبع ألفاظ ابن الأثير وألفاظ جامع الحميدي فإنه يجد ما يقرر ما ذكرناه أو يقرر ما ذكره المنصف رحمه الله تعالى. اهـ.

وهذا لا يعني خلو جمع الحميدي من السهو أو الوهم، ومتابعة ابن الأثير له في ذلك، وقد قال الدكتور علي حسين البواب في مقدمة تحقيقه للجمع بين الصحيحين: ص: 25ـ وكثير مما وقع فيه الحميدي من الأخطاء التي مثلنا لبعضها سابقا، والزيادات في الروايات ساقها ابن الأثير متابعا الحميدي، فقد ذكر حديث أبي قتادة: لا تنتبذوا الزهر والرطب جميعا ـ وعده ـ تبعا للحميدي ـ مما انفرد به مسلم، وهو أيضا في البخاري. اهـ.

وأما كتاب: جمع الفوائد ـ فلم يزد شيئا على أصله، بل قد قال محققه الشيخ سليمان بن دريع: ذكر المؤلف بعض الأحاديث بالمعنى أو مختصرة، وقد أشرت إلى معظمها. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني