الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

نحن في غربة وقررت السفر لبلادي كل عامين وزوجتي تطالب بالسفر كل عام، فماذا نفعل؟ وهل يجب علي النزول كل عام؟ أم يجب على الزوجة طاعة زوجها؟ وهل الذهاب للصالون لقص الشعر وشراء أدوات التجميل للتزين للزوج يدخل في النفقة الواجبة على الزوج؟ وهل يحق للمرأة طلب الهدية من الزوج وخاصة الذهب؟ وهل الهدية واجبة بين الزوجين؟ وما هي الأمور التي من مسئوليات الرجل والتي لا تتدخل فيها الزوجة؟ وهل يعد عدم طاعة الزوجة لزوجها في المعروف من انتهاك حرمات الله؟ وما هي الكسوة الواجبة على الرجل؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فلا يلزمك طاعة زوجتك والسفر بها إلى بلدها كل عام ولا كل عامين أو ثلاث إلا إذا اشترطت ذلك في عقد الزواج فعندها يلزمك الوفاء بالشرط، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ. متفق عليه.

وإذا لم تشترط لم يلزمك.

وثمن أدوات التجميل وأجرة الصالون وغير ذلك من الزينة التي لا تستضر المرأة بتركها: ليست من النفقة الواجبة على الزوج، وكذا ليس منها الهدايا لها أو لأهلها ـ لا الذهب ولا غيره ـ وإنما تستحب الهدية عموما لتأليف القلوب ولا ينبغي للزوجين أن يتخاصما لأجل هذه الأمور ويتشاحا، وإنما يعاشر كل واحد منهما الآخر بالمعروف ولا يكلفه ما لا يطيق.

والواجب للزوجة على زوجها نفقة المأكل والملبس والمشرب والمسكن بالمعروف ولو كانت غنية, واختلف الفقهاء في ثمن الدواء وأجرة الطبيب هل هي واجبة على الزوج لزوجته، وقد ذكرنا أقوالهم في الفتوى: 166893 .

والملبس الواجب على الزوج لزوجته هو ما يكفيها ويقيها الحر والبرد, جاء في الموسوعة الفقهية: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ الْكِسْوَةُ كَافِيَةً لِلْمَرْأَةِ، وَأَنَّ هَذِهِ الْكِفَايَةَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ طُولِهَا وَقِصَرِهَا وَسِمَنِهَا وَهُزَالِهَا، وَبِاخْتِلاَفِ الْبِلاَدِ الَّتِي تَعِيشُ فِيهَا فِي الْحَرِّ وَالْبَرْدِ, وَلَكِنَّ الْفُقَهَاءَ اخْتَلَفُوا فِي بَعْضِ التَّفَاصِيل, فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْكِسْوَةَ يُعْتَبَرُ فِيهَا حَال الزَّوْجِ فِي يَسَارِهِ وَإِعْسَارِهِ لاَ حَال الْمَرْأَةِ، وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ، إِلَى مِثْل مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَقَالُوا: وَتُقَدَّرُ الْكِسْوَةُ فِي السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ، بِالشِّتَاءِ مَا يُنَاسِبُهُ مِنْ فَرْوٍ وَلَبَدٍ وَلِحَافٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَبِالصَّيْفِ مَا يُنَاسِبُهُ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، إِلَى أَنَّ كِسْوَةَ الزَّوْجَةِ عَلَى قَدْرِ كِفَايَتِهَا، لأِنَّهَا لَيْسَتْ مُقَدَّرَةً مِنَ الشَّرْعِ، وَيُرْجَعُ فِي ذَلِكَ إِلَى اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ عِنْدَ الْمُنَازَعَةِ، فَيَفْرِضُ لَهَا عَلَى قَدْرِ كِفَايَتِهَا. اهــ مختصرا.

وأما الأمور التي من مسؤوليات الرجل وليس للزوجة التدخل فيها: فإن للزوج على زوجته حق القوامة وليس للمرأة أن تنازعه هذا الحق, والمقصود بالقوامة القيام على تدبير أمرها وشؤون البيت, جاء في الموسوعة الفقهية: وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الزَّوْجَ أَمِينٌ عَلَيْهَا يَتَوَلَّى أَمْرَهَا وَيُصْلِحُهَا فِي حَالِهَا، وَيَقُومُ عَلَيْهَا آمِرًا نَاهِيًا كَمَا يَقُومُ الْوَالِي عَلَى رَعِيَّتِهِ, قَال ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِ قَوْل اللَّهِ تَعَالَى: الرِّجَال قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ـ أَيِ الرَّجُل قَيِّمٌ عَلَى الْمَرْأَةِ، أَيْ هُوَ رَئِيسُهَا وَكَبِيرُهَا وَالْحَاكِمُ عَلَيْهَا مُؤَدِّبُهَا إِذَا اعْوَجَّتْ, وَقَال الْجَصَّاصُ فِي تَفْسِيرِهِ لِلآيَةِ: قِيَامُهُمْ عَلَيْهِنَّ بِالتَّأْدِيبِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْحِفْظِ وَالصِّيَانَةِ لِمَا فَضَّل اللَّهُ الرَّجُل عَلَى الْمَرْأَةِ فِي الْعَقْل وَالرَّأْيِ، وَبِمَا أَلْزَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الإْنْفَاقِ عَلَيْهَا. اهــ.

ويلزمها طاعته في المعروف، لأن هذا من مقتضى القوامة, قال القرطبي رحمه الله تعالى: فقيام الرّجال على النساء هو على هذا الحد، وهو أن يقوم بتدبيرها وتأديبها وإمساكها في بيتها ومنعها من البروز وأنْ عليها طاعته وقبول أمره ما لم تكن معصية. اهــ.

ولا يعني حق القوامة أن يتسلط عليها الرجل بالظلم وسوء العشرة كما يفهمه بعض الأزواج ـ هداهم الله ـ بل ظلمها وسوء معاشرتها دليل على قلة الدين وضعف الإيمان، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال فيمن يسيء معاشرة زوجته: لَا تَجِدُونَ أُولَئِكَ خِيَارَكُمْ. رواه ابن ماجه وابن حبان.

وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم الرجال بتقوى الله في نسائهم وأوصى بهن خيرا فقال: فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ. رواه مسلم وأبو داود.

وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ إِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا. متفق عليه.

ونشير إلى أن جميع هذه الأسئلة قد وردت في أسئلة أخرى من نفس البريد.

والله أعلم

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني