الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

معيار اختيار الزوج هو الخلق والدين

السؤال

أرجوكم ساعدوني: أنا طبيبة، وأحضر الماجستير، وملتزمة والحمد لله، في عائلة أنا الوحيدة بها التي حصلت على شهادة تعليم عال، ولا يعترفون بالالتزام كشرط للعريس، تقدم لي منذ سنين خطاب ولكن أبي رفضهم جميعا لأنهم ليسوا متعلمين، وآخرهم أنا من رفضته لأنه غير ملتزم حتى بالصلاة، ويشرب سجائر وأشياء أخرى، ومرت فترة كبيرة لا يتقدم لي أحد، وذهبت لأحد المشايخ قال لي بأنه مس أو سحر، وقام مشكورا بفكه، تقدم لي مؤخرا خاطب أقل منا بالمستوى المادي ولكنه يصلي، وهو طبيب، كنت غير مقتنعة بوضعه المادي، فأنا لا أعلم فقر أم بخل، علما بأنه يعمل بمستشفيات خاصة كثيرة، ومن مثله دخلهم المادي جيد، وهو غير مهتم تماما بمظهره، فرأيته أكثر من 7 مرات بنفس اللبس تقريبا، وعندما كان يأتي لزيارتنا لم يأت بحلوى إلا مرتين فقط بعد قراءة الفاتحة، ويريد أن يسكن أمه معنا في شقة صغيرة جدا، مع العلم أن لها شقة أخرى لأنه الابن الوحيد لها، مع أنه يتركها لأيام عندما يضطر للمبيت بالمستشفى، وعندما يتحدث معي عن الأكل يقول لي إنه مضر ولا يجب أن نأكل كثيرا، مع أنه يأكل بشراهة عندنا، أهو بخل لا أعرف؟ ويسألني إن كنت أتسوق كثيرا أم لا، ويريد أن أسكن الشقة بدون تعديله في الحوائط والأرضيات، مع العلم أنها قديمة ومسكونة بالناس منذ زمن، وعندما اختلفت معه وقلت لإخوتي وأبي تحدثوا معه، وقال إنه موافق على التعديلات ولكنه بعد ذلك اختفى لا يتصل ولا يأتي، وأخلف موعد شراء الشبكة بدون أعذار، وكان يعلم أن أبى عنده حالة وفاة حتى لم يتصل به ليقدم واجب العزاء، وبعد أسبوعين اتصل به أبي وتعلل بأنه مسافر وأنه يريد أن يفرح، فقرر تأخير الشبكة والخطوبة مع نفسه دون أن يتفق مع أبي أو يعلمنا حتى، وعندما سألت عنه في مكان عمله اكتشفت بأنه لم يسافر وأنه كاذب، ومع كل هذا أبي لا يرى به عيبا، فأبي خائف من أن أظل بدون زواج، ويرى أنه أفضل من لا شيء. ماذا أفعل فأنا أحس أنه يتلاعب بنا. دلوني بالله عليكم إن رفضته أكون أتبطر على رزق الله فأعاقب بحرمانه؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فاعلمي أن الأصل في معيار اختيار الزوج هو الدين والخلق، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: إِذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ خُلُقَهُ وَدِينَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ. رواه ابن ماجه، والترمذي وحسنه الألباني.

وذلك لأن في صلاح الدين والخلق سعادة الآخرة والدنيا.

وننصحك بعدم فسخ الخطبة وبالتريث والاستخارة، لا سيما وأنك محتاجة لزوج وتخشين أن لا تجدي غيره .

كما ننصحك بالحرص على تسهيل أمر الزواج وعدم جعل المادة حجر عثرة أمام الزواج لما في الحديث: إن من يمن المرأة تيسير خطبتها وتيسير صداقها. رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.

وإذا كانت أمه محتاجة للسكن معه نظرا لعدم وجود من يقوم عليها من أولادها فالأولى بك احتساب الأجر في الموافقة على سكنها معكم، ولكنه لا يلزم شرعا أن تقبلي السكن معها فمن حقك على زوجك أن يوفر لك سكنا مستقلا يليق بك.

قال الكاساني : وَلَوْ أَرَادَ الزَّوْجُ أَنْ يُسْكِنَهَا مع ضَرَّتِهَا أو مع أَحْمَائِهَا كَأُمِّ الزَّوْجِ وَأُخْتِهِ وَبِنْتِهِ من غَيْرِهَا وَأَقَارِبِهِ فَأَبَتْ ذلك، عليه أَنْ يُسْكِنَهَا في مَنْزِلٍ مُفْرَدٍ لِأَنَّهُنَّ رُبَّمَا يُؤْذِينَهَا ويضررن بها في الْمُسَاكَنَةِ وَإِبَاؤُهَا دَلِيلُ الْأَذَى وَالضَّرَرِ. اهـ

وإن لم يحصل اتفاق وزواج بينكما فالرجال سواه كثير، فأكثري سؤال الله أن يرزقك زوجا صالحا، فهو القائل: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ {غافر:60}، وقال تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ {البقرة:186}.

واحرصي على الاستفادة من الدعاء آخر الليل فهو مظنة للإجابة؛ لما في حديث مسلم: ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، يقول: من يسألني فأعطيه.

وإذا دعت المسلمة ربها فعليها بعلو الهمة في الدعاء، فالرجال الخيرون كثير، وقد قال صلى الله عليه وسلم: إذا سأل أحدكم فليكثر فإنما يسأل ربه. رواه ابن حبان وصححه الألباني، فواصلي الدعاء بأن يحقق الله لك الزواج بمن يرتضى خلقه ودينه ولا تملي، وأيقني أن الله لا يضيع دعاءك، ففي صحيح مسلم: يستجاب لأحدكم ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل، قيل: يا رسول الله؛ ما الاستعجال ؟ قال يقول: قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجيب لي، فيستحسر ويدع الدعاء.

وفي المسند أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها، قالوا إذن نكثر، قال: الله أكثر. والحديث قال فيه الألباني في صحيح الترغيب: حسن صحيح ، فلا تيأسي من رحمة الله وعونه، فربما يختار لك من هو أصلح من هذا الرجل.

ولا يمنعنك من زواج من ترتضين دينه وأخلاقه فقره، فإن الله تعهد بالعون والغنى للمتزوج طلبا للعفة وامتثالا لأمر الشرع، فقد قال الله تعالى: وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ.{النور:32}. وقال أبو بكر رضي الله عنه: أطيعوا الله فيما أمركم به من النكاح ينجز لكم ما وعدكم به من الغنى، قال تعالى: إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ. {النور:32}.

وقال ابن مسعود: التمسوا الغنى في النكاح، يقول الله: إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله .

وقد نقل ابن كثير الأثرين السابقين عنهما. وفي الحديث: ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف. رواه أحمد وحسنه الألباني.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني