الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

أريد أن أسأل سؤالا وهو: هل يجوز للوالدين أن يقولا لولدهما لا تفعل كذا، وإذا فعلت فلن أسامحك وسوف نتحاسب في يوم القيامة؟ مع أن ذلك الشيء ليس شيئا حرمه الله؟ وماذا سيكون جزاء الولد إذا فعله؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فيجوز للوالدين أن ينهيا ولدهما عن فعل ويتوعدانه بعدم المسامحة ويخوفانه الحساب يوم القيامة، بشرط أن يكون ذلك الفعل داخلاً في حدود الأمور التي تجب فيها طاعة الولد لوالديه بألا يكون فيه معصية لله، وأن لا يكون فيه إضرار بالولد، وأن يكون للوالدين فيه غرض صحيح، وأما إن كان هذا الفعل خارجا عن الأمور التي تجب فيها طاعة الوالدين فلا حق لهما حينئذ في التوعد عليه، وراجع الفتوى رقم: 76303.

وفي حال وجب على الولد طاعة والديه فيما ينهيانه عنه فإنه إذا خالفهما كان آثما، ويعظم الإثم كلما اشتد تأذي الوالدين من مخالفة الولد لهما، قال الهيتمي: .. كَمَا يُعْلَمُ مِنْ ضَابِطِ الْعُقُوقِ الَّذِي هُوَ كَبِيرَةٌ، وَهُوَ أَنْ يَحْصُلَ مِنْهُ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا إيذَاءٌ لَيْسَ بِالْهَيِّنِ أَيْ عُرْفًا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْمُتَأَذِّي. اهـ

وعقوق الوالدين من الكبائر، ففي الصحيح عن النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الكَبَائِرِ ثَلاَثًا؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ ـ وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا ـ فَقَالَ: أَلاَ وَقَوْلُ الزُّورِ.

ومن عقوبات العقوق سخط الله على العاق، ففي الأدب المفرد للبخاري عن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنه ـ قَالَ: رِضَا الرَّبِّ فِي رِضَا الْوَالِدِ، وَسَخَطُ الرب في سخط الوالد.

ومنها أن تعجل له العقوبة في الدنيا، قال البخاري في الأدب المفرد: باب عقوبة عقوق الوالدين: عن أبي بكرة ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجَّلَ لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةُ مَعَ مَا يُدَّخَرُ له من البغى وقطيعة الرحم.

ومنها أنه قد يكون سببا لعقوق أولاده له، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ولهذا يقال: عفوا تعف نساؤكم وأبناؤكم، وبروا آباءكم تبركم أبناؤكم ـ فإن الجزاء من جنس العمل، وكما تدين تدان، ومن عقوبة السيئة السيئة بعدها. اهـ

مع التنبيه إلى أن العاصي يوم القيامة يكون تحت المشيئة فإن شاء الله عاقبه وإن شاء عفا عنه، كما أن التوبة تمحو ما قبلها والتائب من الذنب كمن لا ذنب له.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني