الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الرؤية الشرعية في ارتكاب الأنبياء للصغائر

السؤال

ما حكم من قال إن الرسول صلى الله عليه وسلم ارتكب معصية صغيرة؟ وهل يكفر بذلك؟ مع أنه لم يقصد التنقيص من قدر الرسول صلى الله عليه وسلم؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فعصمة الأنبياء من الصغائر مما اختلف فيه أهل العلم، مع اتفاق الجميع على أنهم لا يقرون عليها، ولا يتعمدون مخالفة أمر الله تعالى بارتكابها، وأن الله يدركهم برحمته ويوفقهم للتوبة والإنابة من غير تأخير، وراجع في ذلك الفتويين: 6901، 135803.

فمن نسب للنبي صلى الله عليه وسلم شيئا من ذلك، متأولا في ذلك ما عوتب به صلى الله عليه وسلم، كقوله تعالى: مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ {الأنفال:67ـ 68}. أو قوله سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ {التحريم: 1}. أو قوله عز وجل: عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى وَهُوَ يَخْشَى فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى {عبس: 1ـ 10}.

ونحو ذلك، فلا يجوز أن يحكم بكفره، طالما أنه لم يقصد التنقص من قدر النبي صلى الله عليه وسلم والحط من مكانته وإنما لبيان المسألة وكون عوارض البشرية لا تتعارض مع النبوة، أو لبيان أن الفضل كله بيد الله وأنه لا حول ولا قوة إلا بالله، أو لبيان فضل التوبة والتأسي بأنبياء الله ورسله فيها، ونحو ذلك من الأغراض الصحيحة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: اتفق علماء المسلمين على أنه لا يكفر أحد من علماء المسلمين المنازعين في عصمة الأنبياء، والذين قالوا: إنه يجوز عليهم الصغائر والخطأ ولا يقرون على ذلك لم يكفر أحد منهم باتفاق المسلمين، فإن هؤلاء يقولون: إنهم معصومون من الإقرار على ذلك، ولو كفر هؤلاء لزم تكفير كثير من الشافعية، والمالكية، والحنفية، والحنبلية والأشعرية، وأهل الحديث، والتفسير والصوفية: الذين ليسوا كفارا باتفاق المسلمين، بل أئمة هؤلاء يقولون بذلك ... وهذه المسألة قد ذكرها في أصول الفقه هذا الشيخ أبو حامد، وأبو الطيب الطبري، والشيخ أبو إسحاق الشيرازي وكذلك ذكرها بقية طوائف أهل العلم: من أصحاب مالك والشافعي، وأحمد، وأبي حنيفة، ومنهم من ادعى إجماع السلف على هذا القول، كما ذكر ذلك عن أبي سليمان الخطابي ونحوه، ومع هذا فقد اتفق المسلمون على أنه لا يكفر أحد من هؤلاء الأئمة، ومن كفرهم بذلك استحق العقوبة الغليظة التي تزجره. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني