الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

إشكال حول القول بأن الكلام ينسب إلى قائله ابتداء

السؤال

أعلم أن الكلام إنما ينسب إلى قائله ابتداء، فعندما أقول كلاما يتضمن حديثا نبويا لا ينسب إلي الحديث، وإنما ينسب إلى الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأنه هو من قاله أولا، ولكن في القرءان الكريم أقوال للأنبياء كموسى عليه السلام "وَقَالَ مُوسَى إِن تَكْفُرُواْ أَنتُمْ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ" وغيره.
وهذا الكلام إنما كان منهم ابتداء ثم جاء في القرآن بمعناه وليس لفظه نظرا لاختلاف اللغات. فكيف تطبق القاعدة هنا وقد قالوه أولا.
أرجو بيان ذلك وتوضيحه والإطالة فيه إن أمكن جزاكم الله خيرا.
وأخيرا أشهد أن القرآن كلام الله عز وجل أنزله على عبده ورسوله محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام وأني ما سألت إلا للبيان والعلم "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون "

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن كان إشكال الأخ السائل في نحو قوله تعالى: وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ [إبراهيم: 8]. في كون لغة موسى عليه السلام لم تكن عربية، وأن القرآن نقل كلامه بغير لغته ونسبه إليه، فجواب هذا واضح؛ فإن القرآن إنما ذكر هذا الكلام بمعناه كما ذكر السائل. وهذا في غاية الوضوح كما في ترجمة الكلام من لغة إلى لغة.

قال القرطبي في تفسيره: اتفق العلماء على جواز نقل الشرع للعجم بلسانهم وترجمته لهم، وذلك هو النقل بالمعنى، وقد فعل الله تعالى ذلك في كتابه فيما قص من أنباء ما قد سلف، فقص قصصا ذكر بعضها في مواضع بألفاظ مخلتفة والمعنى واحد، ونقلها من ألسنتهم إلى اللسان العربي. اهـ.
وأما إن كان مراد السائل أن هذا الكلام يجب أن ينسب إلى موسى لا إلى الله؛ باعتبار أنه أول من قاله، فهذا الكلام يحتاج إلى ضبط، فإن هذا الكلام يصح نسبته إلى موسى باعتبار قوله، ويصح نسبته إلى الله تعالى باعتبار نقله، وقريب من ذلك القرآن الكريم نفسه، الذي هو كلام الله تعالى، فإنه يصح نسبته إلى جبريل باعتبار أنه كان الواسطة في نقله من الله تعالى إلى رسوله صلى الله عليه وسلم، ويصح نسبته إلى رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم باعتبار أنه الذي نقله وبلغه إلينا، كما قال تعالى: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ [الحاقة:40].

قال ابن الجوزي: فيه قولان، أحدهما: محمّد صلّى الله عليه وسلم، قاله الأكثرون. والثاني: جبريل، قاله ابن السائب ومقاتل اهـ.
قال ابن قتيبة في (غريب القرآن): {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} لم يُرد أنه قول الرسول؛ وإنما أراد: أنه قول رسول عن الله جل وعز. وفي "الرسول" ما دل على ذلك؛ فاكتفى به من أن يقول: عن الله اهـ.
وقال القرطبي: ليس القرآن قول الرسول صلى الله عليه وسلم، إنما هو من قول الله عز وجل، ونسب القول إلى الرسول لأنه تاليه ومبلغه والعامل به، كقولنا: هذا قول مالك اهـ.
وقال ابن كثير: {إنه لقول رسول كريم} يعني: محمدا، أضافه إليه على معنى التبليغ؛ لأن الرسول من شأنه أن يبلغ عن المرسل؛ ولهذا أضافه في سورة التكوير إلى الرسول الملكي: {إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين} وهذا جبريل عليه السلام. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني