الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الداعي غير الله قد يحصل مطلوبه فتنة وامتحانا منه سبحانه وتعالى

السؤال

هل سؤال الأنبياء والصالحين شرك؟
التقيت في أحد المرات أثناء تقديمي لوظيفة بإحدى الأخوات وكانت في فترة التقديم على الوظيفة، وأثناء تسليم الأوراق كان لسانها يلهج بالدعاء من الأنبياء والصالحين، وكانت صيغة دعائها هي: يا نبي فرج لي يقبلوني بالوظيفة ونذرت بأن تعمل نذرا للنبي (ص) في حالة تم قبولها، ونذرها هو أن تعمل وليمة باسم النبي الذي استجاب دعوتها وأنا كنت مستغربة من عملها، وحقا قبلت في الوظيفة وأنا التي لم أدع نبيا أو أحدا من الصالحين لم أقبل ولم أوفق في القبول، والأخت التي دعت الأنبياء والصالحين وفقت وقبلت في وظيفتها.
وسؤالي الآخر: هذه الأخت تصلي ومحافظة على صلاتها وصيامها لكن تدعوا الأنبياء والصالحين، وفي حالة دعائها من الأنبياء والصالحين دائما توفق ويستجاب دعاؤها. فهل صلاتها وصومها صحيحان وهل تقبل صلاتها وصومها؟ أفيدوني في هذه المسألة وفقكم الله.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا ريب في أن دعاء غير الله من الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله تعالى لمن لقيه به بعد قيام الحجة عليه، قال تعالى: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ {الأحقاف:5}، وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ {الأحقاف:6}. وقال جل اسمه: وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ {فاطر:13}، إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ {فاطر:14}. والآيات والأحاديث الدالة على أن الدعاء وكذا النذر من العبادات التي صرفها إلى غير الله تعالى شرك أكبر كثيرة جدا. وكون هذه التي دعت غير الله حصل لها مقصودها فالمقطوع به أنه لم يحصل بسبب دعائها غير الله، وإنما وافق دعاؤها غير الله القدر السابق بحصول هذا المطلوب فتنة وامتحانا لها ولغيرها ليبلو الله تعالى إيمان عباده ويعلم الموقن بأن النفع والضر إنما هو منه سبحانه لا من غيره والشاك في ذلك فيميز بذلك الخبيث من الطيب. قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: وليعلم أن الله عز وجل قد يفتن الإنسان بشيء من مثل هذه الأمور, فقد يتعلق الإنسان بالقبر فيدعو صاحبه أو يأخذ من ترابه يتبرك به فيحصل مطلوبه, ويكون ذلك فتنة من الله عز وجل؛ لهذا الرجل لأننا نعلم أن هذا القبر لا يجيب الدعاء, وأن هذا التراب لا يكون سببًا لزوال ضرر أو جلب نفع نعلم ذلك لقول الله تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} وقال تعالى: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} والآيات في هذا المعنى كثيرة تدل على أن كل من دعي من دون الله فلن يستجيب الدعاء ولن ينفع الداعي، ولكن قد يحصل المطلوب المدعو به عند دعاء غير الله فتنة وامتحانًا ونقول: إنه حصل هذا الشيء عند الدعاء -أي عند دعاء هذا الذي دعي من دون الله- لا بدعائه وفرق بين حصول الشيء بالشيء، وبين حصول الشيء عند الشيء, فإننا نعلم علم اليقين أن دعاء غير الله ليس سببًا لجلب النفع أو دفع الضرر بالآيات الكثيرة التي ذكرها الله عز وجل في كتابه, ولكن قد يحصل الشيء عند هذا الدعاء فتنة وامتحانًا، والله تعالى قد يبتلي الإنسان بأسباب المعصية؛ ليعلم سبحانه وتعالى من كان عبدًا لله ومن كان عبدًا لهواه، ألا ترى إلى أصحاب السبت من اليهود حيث حرم الله عليهم أن يصطادوا الحيتان في يوم السبت فابتلاهم الله عز وجل فكانت الحيتان تأتي يوم السبت بكثرة عظيمة وفي غير يوم السبت تختفي فطال عليهم الأمد، وقالوا: كيف نحرم أنفسنا هذه الحيتان ثم فكروا وقدروا ونظروا فقالوا: نجعل شبكة ونضعها يوم الجمعة ونأخذ الحيتان منها يوم الأحد، فأقدموا على هذا الفعل الذي هو حيلة على محارم الله فقلبهم الله قردة خاسئين. انتهى.

فاتقي الله تعالى واعلمي أنه لا يأتي بالحسنات إلا هو ولا يدفع السيئات إلا هو، فلا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع ولا ينفع ذا الجد منه الجد سبحانه وبحمده، قال تعالى:وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {يونس:107}. وارضي بما يقدره الله ويقضيه واعلمي أن قضاءه سبحانه دائر بين الرحمة والحكمة، فهو إذا أعطى فبرحمته وإذا منع فلحكمته سبحانه جل شأنه. واعلمي أنه ما نال أحد ما عند الله بمثل طاعته. فعليك أن تناصحي تلك المرأة وتبيني لها خطورة ما هي مقيمة عليه من دعاء غير الله والنذر له وتبيني لها أن عباداتها لن تنفعها إذا لقيت الله تعالى مشركة به داعية معه غيره، وتذكري لها النصوص الدالة على ما ذكرنا من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لعل الله أن يهديها صراطه المستقيم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني