الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ماذا على المتزوجة إذا زنت فحملت

السؤال

وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارةٌ بالسوء إلا ما رحم ربي ـ حكايتي وباختصار أنني امرأة متزوجة ولي 3 أطفال، استغلني شاب أعزب واستدرجني بكلامه ـ إن من البيان لسحرا ـ ووقعت في شباكه فزنى بي بإرادتي مرة واحدة أثمرت عن حدوث حمل عمره الآن خمسة أشهر كاملة, ويشهد الله أنني تبت توبة صادقة نصوحا من يومها، وأيقنت أن هذا الحمل هو عقاب لي من ربي ووسيلة لردعي عن العودة لمثل هذا الفعل القبيح أبدا ما حييت. وأعلم يقينا أن الله قد غفر لي، لكن شعوري بالذنب دفعني عدة مرات للاعتراف بالحقيقة لزوجي، ثم ما لبثت أن ترددت حين كنت أذكر أنني ربما سأخسر أطفالي للأبد إن طلقني، ولا ملجأ لي فليس لدي والدان ولا إخوة، فتعايشت مع الأمر بأنني صرت أقول في نفسي إن الله سترني ولا أريد أن أفضح نفسي، وعاقبني بهذا الحمل وأحمد الله على أن عقابه لم يكن بالفضيحة أو بالموت على المعصية، لكن منذ يومين حدث أمر جديد إذ أمسكت الشرطة بالشاب الذي زنيت به على خلفية قضايا كثيرة من بينها قضايا أخلاقية، وحققوا مع كل من يعرفه ومن بينهم أنا، فاعترفت لهم بفعلتي بعد أن وعدوني بالستر وأنهم يريدون فقط أدلة على الشاب وستروني ـ سترهم الله ـ وأخبروا زوجي بأنني مجرد شاهدة في موضوع عادي، لكنهم أعادوا لي شعوري بالذنب الذي كنت قد تخلصت منه بفضل الله، واليوم راودتني عند صلاة الفجر فكرة إنهاء حياتي لمجرد أنه أصبح هناك أشخاص آخرون يعرفون بالذنب الذي ارتكبت، سترني الله وأنا تحت الذنب ثم فضحني عباده بعدما تبت، هم لم يفضحوني على الملأ لكن مجرد معرفة أشخاص آخرين بأمري تعتبر عندي فضيحة، لا أريد الاعتراف والفضيحة لنفسي وبناتي من بعدي، لكنني لا أعلم كيف أفعل وفي رحمي طفل ليس من زوجي، علما بأن زوجي يعلم بأنه منه وأنه حدث خطأ ما في وسيلة التنظيم التي كنا نستعملها فحدث الحمل، فهل أستتر بستر الله علي وأكمل حياتي بتوبتي الصادقة وإكثاري من الطاعات وأحتمل تأنيب ضميري ما استطعت إلى ذلك سبيلا حفاظاً على أسرتي من التفكك والضياع؟ أم أعترف لزوجي بالحقيقة بسبب الطفل القادم؟ وقد قرأت في أحد مواقع الإفتاء أنه إذا وصل أمري للإمام وجب إقامة الحد علي، فمن المقصود بالإمام الآن؟ ثم إنني لن أعترف بفعلتي فقد تبت فيما بيني وبين ربي وأريد أن أبقى بجوار أولادي أربيهم. فهل يعتبر اعترافي للشرطة موجباً لإقامة الحد علي؟ علماً بأنني أنكرت من باب ستر نفسي وما اعترفت لهم إلا لأنهم هددوني بالحبس وبالتالي افتضاح أمري.
أفيدوني أفادكم الله.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا شك في أن الزنا ذنب عظيم، وحصوله من المتزوجة أعظم إثما، وقد أحسنت بتوبتك إلى الله تعالى، وتذكري دائما سعة مغفرة الله، وأحسني الظن به، فمن تاب تاب عليه، فاحذري من أن يوقعك الشيطان في القنوط من رحمة الله، فقد قال الله تعالى: وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ {الحجر:56}. وقال: وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ {يوسف:87}.

وأما ما أسميته إنهاء حياتك: فإن قصدت به الانتحار فلا تجعلي هذا الأمر يجول بخاطرك فضلا عن أن تفكري في تنفيذه، فإنك إن عرفت مصير المنتحر فررت من الانتحار فرارك من الأسد أو أشد، فحقيقة الانتحار الانتقال إلى الشقاء الأكبر وخسران الدنيا والآخرة، فهو ليس بدواء وإنما داء، كما بينا بالفتوى رقم: 10397.

ويجب عليك مع التوبة أن تستري على نفسك فلا تخبري بذنبك أحدا من الناس ـ لا زوجك ولا غيره ـ وهذا الحمل منسوب إلى زوجك، لأنه صاحب الفراش، وراجعي الفتوى رقم: 165925.

وما حصل مع الشرطة فقد حصل فلا تجعلي منه هاجسا يستغله الشيطان في إيقاعك فيما لا تحمد عقباه، بل اجتهدي في محاولة تناسي الأمر، وكوني على حذر من الوقوع في أسباب الفتنة مرة أخرى، وأكثري من عمل الصالحات، واحرصي على العمل النافع ومصاحبة الخيرات، والذي يقيم الحدود هو السلطان المسلم الذي يقيم شرع الله، ولا يجب على من وقع في ما يوجب الحد أن يعترف حتى يقام عليه الحد، ولا يعتبر اعترافك أمام الشرطة موجبا لإقامة الحد، بل ذكر أهل العلم أن المقر يستحب له الرجوع عن إقراره، وأنه لو رجع ولو في أثناء إقامة الحد عليه سقط عنه الحد.

قال الهيتمي في تحفة المحتاج وهو في الفقه الشافعي: أما المقر فيستحب له الرجوع لما مر، فإن رجع عن الإقرار ولو بعد الشروع في الحد سقط عنه الحد لتعريضه صلى الله عليه وسلم لماعز بالرجوع بقوله: لعلك قبلت، لعلك لمست، أبك جنون؟ ولأنهم لما رجموه قال ردوني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يسمعوا وذكروا ذلك له صلى الله عليه وسلم، فقال: هلا تركتموه لعله يتوب فيتوب الله عليه. اهـ.

فاستري إذن على نفسك، واحرصي على تربية أولادك على الخير والفضيلة، وأحسني تعليمهم وتويجههم حتى يكونوا قرة عين لك في الدنيا والآخرة، فمن دعاء الصالحين ما حكاه الله في القرآن في قوله سبحانه: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا {الفرقان:74}.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني