الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

موقف العلماء من الطباعة أول ما بدأت وهل صدرت فتوى في الدولة العثمانية بتحريمها

السؤال

الإخوة الكرام
تحية طيبة وبعد
أولاً كل الشكر والتقدير لكم على جهودكم في المساهمة في نهضة أمة المصطفى الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ، فجزاكم الله خيراً وبارك بكم .
أود إعلامكم بأننا مؤسسة نقوم بتقديم الدورات التدريبية في مجالات التنمية الذاتية ، وإحدى الدورات التدريبية التي نقوم بها هي دورة ( صناعة الأهداف ) ، حيث نعتمد في تصميم الدورة على التحفيز والعصف الذهني ( لفئة الشباب ) وتوضيح أهمية الأهداف ، ونقوم باستخدام الفيديوهات المختلفة ، وبالذات بعض من فيديوهات الاستاذ أحمد الشقيري في برنامجه ( خواطر ) وغيرها .
وخلال سعينا باستمرار لتطوير المادة التدريبية لهذه الدورة ، فقد أعجبتنا جداً إحدى حلقات برنامج ( خواطر 6 ) وتحديداً الحلقة 28 وهي بعنوان السباق ، وفيه يعرض الاستاذ أحمد الشقيري رحلة تاريخية على شكل سباق حضاري بين أمة محمد صلى الله عليه وسلم .. وبين أمة الغرب .
وفي الحقيقة فقد أعجبتنا جداً هذه الحلقة ، لما فيها من تلخيص رائع لمسار الأمة الإسلامية وأسباب الحال الذي وصلنا إليه ، وقررنا إدراج هذا الفيديو في المادة التدريبية لدورة ( صناعة الأهداف )
وهنا نأتي إلى أهم نقطة في الموضوع وهي أن الحلقة ركزت على أن فتوى صدرت في الدولة العثمانية بتحريم الطابعة ، وهو ما نتج عنه ( حسب الشقيري ) أن هذه الفتوى ساهمت في تخلف المسلمين ( حيث لم تدخل الطابعة إلى العالم الإسلامي لمدة 200 سنة )
وبناءاً عليه ،،، نود الاستفسار عن عدة أمور ، وذلك نظراً لمعرفتكم الكبيرة في التاريخ الاسلامي ، إضافة إلى معرفتكم الإعلامية :
1. خلال الحديث ( في الحلقة ) عن تحريم الطابعة في الدولة العثمانية ، فإننا نخشى أن يأخذ المتدربون انطباعاً بأن سبب تخلف الأمة الإسلامية هو هذه الفتوى ، وبالتالي نخشى أن يتم أخذ انطباع بأن الدولة العثمانية هي سبب التخلف ، على الرغم من الإسهامات الكبيرة للدولة العثمانية في الحضارة الاسلامية .
2. من خلال البحث على الإنترنت ، لاحظنا أن هناك خلافاً بين المؤرخين حول هذه القضية ، ومنها أن اجتهاد الفقهاء في تلك الفترة هو خوفهم من تحريق القرآن ، وهو اجتهاد حسن النية والله أعلم .
3. واخيراً فإن هدفنا من إدراج هذا الفيديو في الدورة ، هو إيصال الفكرة للمتدربين حول أين كنا وأين صرنا ( بطريقة مبسطة ) .
ولكل هذه الأمور ، فإننا نستشيركم ... هل ندرجه في دورتنا أم لا؟ ( من الناحية التاريخية والدينية والاعلامية ).

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله أن يوفقكم وأن ينفع بما تعملونه من الدورات.

وفي خصوص ما سألتم عنه فقد كان بعض من أهل العلم يرون ضررا في الطباعة؛ لكونها تؤدي إلى ترك الحفظ الذي كان سمة لهذه الأمة، ولأنها تجلب أخطاء كثيرة.

يقول الدكتور الشيخ عبد الكريم الخضيري في شرح صحيح مسلم : بعض الناس ما يحفظ ولو كرر الكلام مائة مرة، فإذا كتبه بيده حفظه، ولذا لما بدأت الطباعة، وأدرك العلماء أثرها على التحصيل أفتى شيوخ الأزهر بتحريم طباعة الكتب الشرعية، قالوا: لها أثر على التحصيل، طالب العلم إذا احتاج إلى كتاب لا بد أن ينسخه أو يستعيره فيضطر إلى قراءته ونقل ما يحتاج منه ويعيده إلى صاحبه، لكن الآن بعد الطباعة، يعني أشق ما يشق على الإنسان أن يذهب إلى المكتبة ويشتري ما يريد منها ويرصها في الدواليب، وهذا آخر علمه بها، ولا شك أنه صار لها أثر سلبي، مع أنها نعمة من نعم الله إذا استغلت، لكن يبقى أن لها أثرا، يعني أثرها واضح، ليس عبثاً أن يفتي العلماء بمنع طباعة الكتب الشرعية، لا لذاتها وإنما لكونها تعوق عن تحصيل العلم اهـ

وقال ايضا في كتاب ( المنهجية في قراءة الكتب ) :

في أول الأمر ، في بداية الطباعة أفتى بعض شيوخ الأزهر بتحريم طباعة الكتب الشرعية ، وأجازوا طباعة كتب التواريخ ، والأدب ، واللغة، وما أشبهها . ولا شك أن هذه- لاسيما في أول الأمر - نظرة طبيعية؛ لأن هذه الكتب تُوجِد ريبة في قلوب العلماء ؛ لأنهم يعرفون من آثارها ما يعرفون، فإذا كان الأمر قبل الكتابة الاعتماد كله على الحفظ، ثم بعد ذلك لمَّا انتشرت الكتابة صار الاعتماد على الكتابة، والكتابة تحتاج إلى معاناة، وبالمعاناة يكتب العلم . ثم بعد ذلك، بعد الطباعة ما الذي حصل ؟ حصل أن طالب العلم يجمع من الكتب أضعاف ما كان عند شيوخه، ومع ذلكم لا يعرف عنها شيئًا؛ فإن طالب العلم الحريص المجتهد الذي إذا اشترى الكتاب قرأ المقدمة، وصار عنده تصور عن الكتاب. اهـ

وفي خصوص الفتوى فقد وجدنا في مصادر لا نقطع بموثوقيتها : أن السلطان العثماني بايزيد الثاني لما أدخلت الجالية اليهودية أول مطبعة إلى تركيا سنة 1493 م أصدر فرمانا يقضي بتحريم الطباعة على رعاياه المسلمين .

والذي نراه فيما استشرتمونا فيه هو الاستغناء عن ذكر هذه المعلومة لأن المفتي بها قد أراد مقصدا حسنا وهو الحرص على سلامة القرآن من التحريف وعلى حفظ العلم من الضياع بسبب الاعتماد على المطبوعات وترك الحفظ الذي كان سمة لهذه الأمة وعلى سلامة الكتب الشرعية من الأغلاط، إضافة إلى عدم الجزم بصحتها تاريخيا، وسلبيتها إعلاميا.

وأما القول بأن المسلمين تأخروا مائتي سنة بسبب هذه الفتوى فليس صحيحا فان المسلمين بلغوا من التقدم العلمي والحضاري والسيادة والريادة والغلبة على أعدائهم قبل ظهور الطباعة أعظم مما بلغوا بعد ظهورها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني