الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الحالة التي يجوز فيها للقادم من السفر أن يجامع في نهار رمضان

السؤال

سؤالي هو أريد من فضيلتكم إفتائي حيث أنا مغترب وقت وصولي هو في فجر رمضان وأنا مشتاق لزوجتي وهي كذلك لأن لي فترة خارج البلاد وإجازتي قصيرة وليس لدينا وقت من الأولاد ومن الضيوف فهل يجوز أن أجامع زوجتي لحظة وصولي؟ لأنني لا أستطيع الصبر إلى المغرب أرجو سرعة الرد وجزاكم الله خيرا..

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فتعمد الفطر في نهار رمضان بالجماع أو غيره من أكبر الكبائر وأعظم الموبقات، بل هو أكبر من الزنى والسرقة وشرب الخمر وقتل النفس عياذا بالله، وإذا كان الفطر بالجماع لزمت الكفارة وهي عتق رقبة فإن لم توجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا، وانظر الفتوى رقم: 111650 ، ورقم: 111609 ، وإذا علمت هذا فإذا وصلت إلى بلدك قبل الفجر لزمك صوم هذا اليوم ولم يجز لك الفطر فيه بحال ولا يجوز لك جماع زوجتك البتة ، فإن فعلت فقد ارتكبت كبيرة من أعظم الكبائر كما مر، وأما إن وصلت بعد الفجر وكنت مفطرا في سفرك فهل يجب عليك أن تتم بقية يومك صائما أو يجوز لك أن تبقى مفطرا؟ في ذلك خلاف بين العلماء والراجح أن لك استباحة الفطر بقية يومك، لكن لا يجوز لزوجتك أن تستبيح الفطر لأن الصوم واجب عليها، إلا إن كانت طهرت من حيض فيجوز لها أن تفطر بقية يومها على الراجح ولا يلزمها الإمساك، فعلم منه أن الحال التي يجوز لك فيها جماع زوجتك في نهار رمضان هي إذا ما قدمت من سفرك بعد الفجر وكنت قد ترخصت بالفطر في سفرك وكانت هي قد طهرت بعد الفجر من حيضها، قال ابن قدامة رحمه الله: فَأَمَّا مَنْ يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، كَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْمُسَافِرِ، وَالصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ، وَالْكَافِرِ، وَالْمَرِيضِ، إذَا زَالَتْ أَعْذَارُهُمْ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ، فَطَهُرَتْ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ، وَأَقَامَ الْمُسَافِرُ، وَبَلَغَ الصَّبِيُّ، وَأَفَاقَ الْمَجْنُونُ، وَأَسْلَمَ الْكَافِرُ، وَصَحَّ الْمَرِيضُ الْمُفْطِرُ، فَفِيهِمْ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، يَلْزَمُهُمْ الْإِمْسَاكُ فِي بَقِيَّةِ الْيَوْمِ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ. والثانية: لا يلزمهم الإمساك وهو قول مالك والشافعي، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ أَكَلَ أَوَّلَ النَّهَارِ فَلْيَأْكُلْ آخِرَهُ. وَلِأَنَّهُ أُبِيحَ لَهُ فِطْرُ أَوَّلِ النَّهَارِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، فَإِذَا أَفْطَرَ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَدِيمَهُ إلَى آخِرِ النَّهَارِ، كَمَا لَوْ دَامَ الْعُذْرُ. فَإِذَا جَامَعَ أَحَدُ هَؤُلَاءِ، بَعْدَ زَوَالِ عُذْرِهِ، انْبَنَى عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي وُجُوبِ الْإِمْسَاكِ؛ فَإِنْ قُلْنَا: يَلْزَمُهُ الْإِمْسَاكُ. فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِالرُّؤْيَةِ فِي حَقِّهِ إذَا جَامَعَ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَلْزَمُهُ الْإِمْسَاكُ. فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. فَإِنْ كَانَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مِنْ أَحَدِ هَؤُلَاءِ، وَالْآخَرُ لَا عُذْرَ لَهُ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ حُكْمُ نَفْسِهِ، عَلَى مَا مَضَى. وَإِنْ كَانَا جَمِيعًا مَعْذُورَيْنِ فَحُكْمُهُمَا مَا ذَكَرْنَاهُ، سَوَاءٌ اتَّفَقَ عُذْرُهُمَا، مِثْلُ أَنْ يَقْدَمَا مِنْ سَفَرٍ، أَوْ يَصِحَّا مِنْ مَرَضٍ، أَوْ اخْتَلَفَ، مِثْلُ أَنْ يَقْدَمَ الزَّوْجُ مِنْ سَفَرٍ، وَتَطْهُرَ الْمَرْأَةُ مِنْ الْحَيْضِ، فَيُصِيبَهَا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ، فَوَجَدَ امْرَأَتَهُ قَدْ طَهُرَتْ مِنْ حَيْضٍ، فَأَصَابَهَا. فَأَمَّا إنَّ نَوَى الصَّوْمَ فِي سَفَرِهِ أَوْ مَرَضِهِ أَوْ صِغَرِهِ، ثُمَّ زَالَ عُذْرُهُ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ، لَمْ يَجُزْ لَهُ الْفِطْرُ، رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إنْ وَطِئَ. انتهى. فعليك أن تتقي الله تعالى أيها الأخ، ولم يحوجك الله تعالى لفعل ما حرم عليك وفيما أباحه لك من الوطء بالليل متسع وله الحمد.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني