الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم من قال لزوجته: اعتدي

السؤال

جزاكم الله خيرا على سعة صدوركم.
أنا متزوج منذ أربع سنوات ولي طفلة عمرها سنتان. بدأت المشاكل بيننا مبكرا ووصلت إلى حدود صعبة وذلك قبل وبعد ولادة الطفلة. ورغم صبري وحرصي على هذا الزواج ليتم ولا ينتهي إلى طلاق رغم أننا عشنا ثلث مدة الزواج مع بعض أما الثلثان المتبقيان. فإما نشوز من طرف الزوجة وعدم التحاقها بمكان إقامتي، وإما سفر للعمل والدراسة.
الآن وكما أسلفت، رغم حرصي على عدم إنهاء العلاقة منذ البداية، وقع مني طلاقان صريحان بلفظ "أنت طالق" وكانت زوجتي حينها حاملا، وأرجعتها بعد عدة أيام في الحالتين.
ولكن مؤخرا منذ ثلاثة شهور، قلت لها لفظ " اعتدي" وكنت في حالة غضب شديد.
راجعنا المفتي في مدينة دمشق، وطرحنا عليه ما سبق، فقال إنه طلاق يحتاج إلى نية. أما عن نيتي فقد كنت أعي معنى كلمة "اعتدي" وقد قرأت عنها مسبقا وأردت استخدامها في حال اضطراري وعدم البوح بكلمة الطلاق الصريح.
للصراحة، عندما قال المفتي ذلك، شعرت براحة داخلية بأن العلاقة ما زالت قائمة وتصرفنا كزوجين من خلوة "ولكن لم يحصل ما يحصل بين الزوجين" لعدة أيام ثم سافرت.
المشلكة الآن وبعد أن سافرت زوجتي مع الطفلة لبلد غربي، تغيرت نظرتها وأصبحت تصر على أن الطلاق قد وقع وأنها تحرم علي حتى تنكح زوجا آخر! وذلك بعدما استشارت إحدى صديقاتها المقيمة في السعودية وبالتالي هي بدورها استشارت أحدا ما في السعودية.
أكرر شكري لكم على سعة صدوركم وأرجو أن تبينوا لي، لأني الآن في موقف حرج بعد سفري إليها ورفضها استقبالي في بيت أمها وأصرت على المبيت لوحدي. "مع بقاء اهتمامها كإرسال الطعام، وما إلى ذلك!
جزاكم الله الخير.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقول الرجل لزوجته: اعتدي فيه خلاف لأهل العلم، فمنهم من يلزم قائله الطلاق، ومنهم من يجعله غير صريح فيه، فيسأل الزوج عن نيته.

قال ابن المنذر في الإقناع: وإذا قَالَ الرجل لزوجته اعتدي، أو أنت خلية، أو برية، أو بائن، أو بتة، أو الحقي بأهلك، أو حبلك عَلَى غاربك، أو قد وهبتك لأهلك قبلوها أو ردوها، وما أشبه ذَلِكَ من الكلام سئل مَا أردت، فإن أراد طلاقا، كَانَ طلاقا ... وإن لم يرد طلاقًا حلف ولم يلزمه طلاق.

وقال ابن الهمام في فتح القدير: كون الأولى وهي كلمة اعتدي كناية فلأنها تحتمل الاعتداد عن النكاح، والاعتداد بنعم الله تعالى. وقال السرخسي في المسبوط: إذا قال اعتدي فهذا اللفظ كناية لأنه محتمل يحتمل أن يكون مراده اعتدي نعم الله أو نعمي عليك، أو اعتدي من النكاح، فإذا نوى به الطلاق وقعت تطليقة رجعية.

وفي الموسوعة الفقهية: كنايات الطلاق كثيرة، بل لا تكاد تنحصر، وذكر الفقهاء أمثلة لها، اتفقوا في أكثرها مثل: أنت بائن، أنت علي حرام، خلية، برية، بريئة، بتة، أمرك بيدك، اختاري، اعتدي، استبرئي رحمك، خليت سبيلك، حبلك على غاربك، خالعتك بدون ذكر العوض) لا سبيل لي عليك، أنت حرة، قومي، اخرجي، اغربي، اعزبي، انطلقي، انتقلي، تقنعي، استتري، تزوجي، ونحو ذلك .

وبعضهم يستثني حالة الغضب وما يدل الحال فيه على قصد الطلاق فلا يحتاج مع لفظ اعتدي ونحوها إلى نية بل تطلق الزوجة به.

قال ابن قدامة في المغني: إذا أتى بالكناية في حال الغضب، فذكر الخرقي في هذا الموضع أنه يقع الطلاق. وذكر القاضي وأبو بكر، وأبو الخطاب في ذلك روايتين: إحداهما، يقع الطلاق. قال في رواية الميموني: إذا قال لزوجته: أنت حرة لوجه الله. في الرضى، لا في الغضب، فأخشى أن يكون طلاقا. والرواية الأخرى، ليس بطلاق. وهو قول أبي حنيفة، والشافعي، إلا أن أبا حنيفة يقول في: اعتدي، واختاري، وأمرك بيدك. كقولنا في الوقوع. واحتجا بأن هذا ليس بصريح في الطلاق، ولم ينوه به، فلم يقع به الطلاق، كحال الرضى، ولأن مقتضى اللفظ لا يتغير بالرضى والغضب.

وهل يصدق الزوج في دعوى أنه ما أراد الطلاق بدون يمين ? ابن المنذر قال: (وإن لم يرد طلاقًا حلف ولم يلزمه طلاق) وكلام الشافعي في الأم يدل على أنه لا يكلف بيمين لأن اللفظ لا يحمل على الطلاق ما لم يقل هو قصدت به الطلاق.

قال : وَلَوْ قَالَ لَهَا اذْهَبِي وَتَزَوَّجِي، أَوْ تَزَوَّجِي مَنْ شِئْت لَمْ يَكُنْ طَلَاقًا حَتَّى يَقُولَ أَرَدْت بِهِ الطَّلَاقَ, وَهَكَذَا إنْ قَالَ اذْهَبِي فَاعْتَدِّي )

وخلاصة القول أنك إن كنت استعملت اللفظ ولم تقصد به إيقاع الطلاق بل تهربا من إيقاعه فالعصمة باقية ولا ترتفع إلا بيقين، وأما لو كنت قصدت إيقاع الطلاق وحل العصمة بذلك اللفظ فقد وقع الطلاق. وبالتالي فالأمر ينبني على ما قصدته بذلك اللفظ, وتصدقك الزوجة فيما تدعيه بيمنك من ذلك. ولأن هذا اللفظ قريب من الصريح فيتبادر منه الطلاق، ولذا حمله بعض العلماء على الطلاق ولم يجعله من ألفاظ الكناية فلا تصدق الزوجة زوجها في عدم قصده الطلاق ما لم يحلف أنه ما أراد به طلاقا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني