الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السير إلى الله تعالى لا يكون بالخوف وحده

السؤال

منذ 5 سنوات وأنا أعاني من الوسواس القهري وهو الخوف الشديد من لقاء الله أي أنني أخاف كثيرا يوم القيامة أن أكون من أهل جهنم وأحس كل يوم أنني سأموت فأفزع وأدعو الله أن لا أموت حتى أزداد إيمانا أكثر، وحتى تبدو لكم الأمور أكثر وضوحا كنت فتاة غير ملتزمة لا أهتم إطلاقا لأمور الدين ما عدا الحجاب غير الشرعي الذي كنت ألبسه والصلوات التي كنت أؤديها دون خشوع، لكن في وقتها باستثناء الفجر طبعا الذي لم أكن أستيقظ له أبدا، بالإضافة أيضا إلى صوم رمضان، عدا هذه الأعمال لم أكن أفعل شيئا آخر من الأعمال الصالحة لكن رغم كل هذا كنت أحب الحياة وأشعر بالسعادة ولم أكن أعاني من أية مخاوف، لكن شاء الله سبحانه وتعالى أن يحدث زلزال جعلني أدرك أنه لا قيمة لهذه الحياة فاعتبرت كثيرا وقررت أن أتوب إلى الله الغفور الرحيم، لأنني أدركت من داخلي أنني كنت مقصرة جدا وأنني كنت في ضلال مبين فهذا الزلزال كان سببا في نوبات الهلع التي أعتبرها ورغم قسوتها الشديدة رحمة من الله ونعمة منه، لأنني بفضلها اهتديت وجعلت أهتم كثيرا بأمور الدين وجعلت أجاهد نفسي، وبالفعل تغيرت عما كنت عليه سابقا فأقلعت عن أشياء وأصلحت من أخرى بفضل الله، ورغم هذا لا أشعر أبدا بالسكينة والطمأنينة، لأنني في محيط لا يساعد كثيرا على العبادة، فأنا أتعلم الدين من الأنترنيت فقط، وما يرهقني كثيرا هو أنني عندما أكون في موقف ما لا أعرف كيف أتصرف أي لا أجد من يفتيني فأتصرف كما يبدو لي، وبعدها أندم وأقول هل ما فعلته يرضي الله أم يسخطه؟ وهكذا فأنا أشعر بالكبت من داخلي ولا أنعم بالسعادة أبدا وأفتقدها كثيرا فيا ترى ما هو السبب؟ أهو من فعل الشيطان؟ أم هو بلاء أو ابتلاء، أم أن الله غاضب علي؟ أم أنه نقص في الدين ولا زال علي أن أهتدي أكثر حتى أحس بالراحة التي طالما سمعت أن عباد الله المتقين يشعرون بها؟ أنا في حيرة كبيرة أعينوني جزاكم الله خيرا أرجو أن لا تحيلوني على فتاوى أخرى إذ قرأت الكثير، وجزاكم الله على هذا الموقع الرائع وأتمنى لكم كل التوفيق.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فزادك الله حرصا على الخير وثباتا على الدين، ثم اعلمي بارك الله فيك أن هذا الخوف من الله أمر حسن، وهو من أعظم ما يسوق به المرء نفسه إلى الله ويحملها به على الطاعات، ولكن السير إلى الله بالخوف وحده ليس من عمل الصالحين، فلا بد أن يكون هذا الخوف مصحوبا برجاء يطيب السير ويحدوه إلى مولاه ويشوقه إلى الدار الآخرة فاعلمي بوركت أن الله تعالى رحيم بعباده لطيف بهم، وأنه سبحانه أرحم بعبده من الأم بولدها، فأحسني ظنك به وأملي فضله وبره وإحسانه فهو سبحانه البر الرحيم، واجمعي إلى خوفك منه رجاءك في سعة رحمته مع اجتهاد في العمل الصالح فيوشك مع هذا ألا يخيب لك سعي بإذن الله ومنه، جاء في مدارج السالكين: وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثٍ: لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِرَبِّهِ ـ وَفِي الصَّحِيحِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، فَلْيَظُنَّ بِي مَا شَاءَ ـ الرَّجَاءُ ـ حَادٍ يَحْدُو الْقُلُوبَ إِلَى بِلَادِ الْمَحْبُوبِ، وَهُوَ اللَّهُ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ، وَيَطِيبُ لَهَا السَّيْرُ، وَقِيلَ: هُوَ الِاسْتِبْشَارُ بِجُودِ وَفَضْلِ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَالِارْتِيَاحُ لِمُطَالَعَةِ كَرَمِهِ سُبْحَانَهُ، وَقِيلَ: هُوَ الثِّقَةُ بِجُودِ الرَّبِّ تَعَالَى، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّمَنِّي أَنَّ التَّمَنِّيَ يَكُونُ مَعَ الْكَسَلِ، وَلَا يَسْلُكُ بِصَاحِبِهِ طَرِيقَ الْجِدِّ وَالِاجْتِهَادِ، وَالرَّجَاءُ يَكُونُ مَعَ بَذْلِ الْجُهْدِ وَحُسْنِ التَّوَكُّلِ. انتهى.

فمهما اجتمع لك الخوف والرجاء ومحبة الله على الوجه المطلوب شعرت بما يشعر به أهل الإيمان ووجدت لذلك حلاوة لا تعدلها لذائذ الدنيا ومتعها، فأقبلي على ربك وأصلحي عملك جهدك وأحسني ظنك به سبحانه وكوني راجية لفضله وبره وإحسانه ولا يحملك الخوف منه على ترك الرجاء فإنه لا بد منهما مجتمعين في طريق السير إلى الله تعالى، ودعي عنك الوساوس والأوهام وحاولي أن توجدي لنفسك بيئة صالحة تعينك على طاعة الله من رفيقات الخير العاملات بطاعة الله، ومهما أشكل عليك أمر من أمور الدين فاسألي أهل الذكر، فإن لم يتيسر لك من تسأليه فابحثي في مواقع الإفتاء الموثوقة وهي كثيرة بحمد الله، واعلمي أنك إن بذلت الوسع لم تكوني مؤاخذة بما يقع منك عن خطأ أو جهل، فقد قال تعالى: ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ـ وقال الله في جوابها: قد فعلت.

واجتهدي في الدعاء أن يذيقك الله حلاوة الإيمان وبرد اليقين، وفقنا الله وإياك لما فيه رضاه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني