الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما يلزم من ظاهر وشرع في الكفارة ثم طلق

السؤال

رجل ظاهرمن زوجته وشرع في التكفير عن الظهار بإطعام ستين مسكينا قبل أن يتماسا ولكنه بعد إطعام ثلاثين مسكينا تشاحن مع امرأته وألقى عليها يمين الطلاق بقوله:"أنت طالق" فما الحكم؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فإن كان الشخص المظاهر قد عزم على العود إلى وطء امرأته المظاهر منها وأخرج جزءاً من طعام الكفارة قبل وطئها كما أمره الله تعالى ليحل له وطؤها ثم طلقها فقد سقط عنه جزء من الكفارة، ولا يلزمه الباقي إلا إذا راجعها، فإن راجعها لزمه إتمام الكفارة.
وأما إذا أخرج هذا الجزء من الكفارة وهو غير عازم على وطء امرأته فهو لاغ لأنه لم يصادف محلاً، ولذلك لو راجع امرأته وعزم على وطئها لزمه إخراج كفارة كاملة ولا يحتسب منها ما كان أخرجه من قبل لأنه لم يصادف محلاً -كما سبق- ولأن الكفارة لا تجب إلا بشيئين: أولهما: قول الظهار، والثاني: العود، لقوله تعالى:وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا [المجادلة:3].
قال ابن قدامة الحنبلي : فأوجب الله تعالى الكفارة بأمرين: ظهار وعود، فلا تثبت بأحدهما، ولأن الكفارة في الظهار كفارة يمين فلا يحنث بغير الحنث كسائر الأيمان، والحنث فيها هو العود. انتهى
وهذا مذهب جماهير أهل العلم؛ إلا أنهم اختلفوا في المقصود بالعود على أقوال كثيرة: فذهب الحنفية إلى أنه العزم على الوطء عزماً مؤكداً. قال الكاساني في بدائع الصنائع: العود هو العزم على وطئها عزماً مؤكداً فكان معنى قوله تعالى: ثم يعودون لما قالوا، ثم يرجعون فيما قالوا وذلك بالعزم على الوطء، لأن ما قاله المظاهر هو تحريم الوطء، فكان العود لنقضه وفسخه استباحة الوطء.
وذهب المالكية إلى أن العود هو العزم على الوطء -وزاد بعضهم- مع نية العزم على الوطء العزم على الإمساك. ففي حاشية الدسوقي : وفهم عياض من المدونة على أنه العزم على الوطء مع العزم على الإمساك. وقال إنه مشهور. انتهى
وذهب الشافعية إلى أنه إمساك الزوجة زمنا بعد الظهار يمكنه أن يطلقها فيه ولم يفعل فقد عاد فيما قال.
قال النووي في المنهاج: على المظاهر كفارة إذا عاد وهو أن يمسكها بعد ظهاره زمن إمكان فرقة.... قال الخطيب الشربيني : لأن تشبيهها بالأم يقتضي أن لا يمسكها زوجة، فإذا أمسكها زوجة أي لم يطلقها فقد عاد فيما قال لأن العود للقول مخالفته. يقال فلان قال قولا ثم عاد له وعاد فيه أي خالفه ونقضه. وهو قريب من قولهم عاد في هبته.
وذهب الحنابلة إلى أن العود هو الوطء، فمن وطأ لزمته الكفارة ولا تجب قبل ذلك إلا أنها شرط لحل الوطء فيؤمر بها قبله، وقال القاضي : العود هو العزم على الوطء. وهذا يوافق مذهب الحنفية والمالكية كما سبق. وهذا هو القول الراجح كما دلت على ذلك الآية الكريمة، وإذا عاد الرجل إلى ما قال فقد ثبتت الكفارة في ذمته فلا تسقط بطلاقه لزوجته أو فسخ النكاح أوالموت.
قال النووي في المنهاج: ولا تسقط الكفارة بعد العود بفرقة. قال الخطيب الشربيني في شرحه على المنهاج مبيناً وجه عدم السقوط وكذا ابن حجر الهيثمي في التحفة: لاستقرارها بالإمساك، كالدين لا يسقط بعد ثبوته. انتهى
وأخيراً ننبه الأخ السائل إلى أن هذه الكفارة لا تجزئ إلا مرتبة كما أمر الله تعالى، فلا يجزئ الصيام إلا بعد العجز عن عتق الرقبة، ولا يجزئ الإطعام إلا بعد العجز عن الصوم.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني